فعلى هذا لو فارق البنيان وأحْرَمَ فِي حَدِّ الحَرَمِ فهو مُسيئ يَلْزُمه أن يريق دماً إن لم يعد كما لو جاوز خطة قرية هي ميقات ثم أحرم.

والثاني: أن ميقاته خطة الحرم؛ لاستؤاء مكَّة وما وراءها من الحَرَم في الحرمة، ولهذا لا يكتفي للمكّي إذا أراد أن يُحْرِم بالعُمْرَة أن يخرج عن خطة مكَّة، بل يحتاج إلى الخُروجِ عَنِ الحَرَمِ، فعلى هذا إحْرَامُهُ فِي الحَرَمِ بَعْدَ مجاوزة العُمْرَان ليس بإساءة.

أما إذا أحرم بعد مجاوزة الحَرَم فقد أساء وعليه الدم إلا أن يعود قبل الوقوف بعرفة أما إلى مكَّة على الوجه الأول، أو إلى الحَرَم على الثَّاني، فيكون حينئذ كمن قدم الإحرام على الميقات.

وقوله في الكتاب: (على رأي) مفسر بالقولين على ما رواه الإمام -رحمه الله- وبالوجهين على ما رواه المصنف في "الوسيط"، وصاحبا "التتمة" و"المعتمد" ثم من أي موضع أحرم من عمران مَكَّة جاز، وما الأفضل؟ فيه قولان.

أحدهما: أن الأفضل أن يتهيأ للإحرام ويحرم في المسجد قريباً من البيت.

وأظهرهما: أن الأفضل أن يحرم من بَابِ دَارِه، ويأتي المسجد مُحرِماً، وهذا هو الذي أجاب به في الكتاب، ويدُلُّ عليه ما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ أَفْضَلَ حَجٍّ أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ" (?) (?).

قال الغزالي: أَمَّا الآفّاقِيُّ فَمِيقَات مَنْ يَتَوَجَّهُ مِنْ جَانِبِ المَدِينَةِ ذُو الحُلِيفَةِ، وَمِنَ الشَّامِ الجُحْفَةُ، وَمِنَ اليَمَنِ يَلَمْلَمُ، وَمِنْ نَجْدٍ اليَمَنُ، وَنَجْدِ الحِجَاز قَرْنٌ، وَمِنْ جِهَةِ المَشْرِق ذَاتُ عِرْقٍ، وَهِذهِ المَوَاقِيتُ لِأهْلِهَا وَلَكُلِّ مَنْ مَرَّ بِهَا، وَالَّذِي مَسْكَنُهُ بَيْنَ المِيقَاتِ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَمِيقَاتُهُ مِنْ مَسْكَنِهِ، وَالَّذِي جَاوَزَ المِيقَاتَ لاَ عَلَى قَصْد النُّسُكِ فَإذَا عَنَّ لَهُ النُّسُكُ فَمِيقَاتُةُ مِنْ حَيْثُ عَنَّ لَهُ.

قال الرافعي: غير المقيم إما أن يكون مسكنه وراء المواقيت الشَّرْعِية وهو الأفاقي، أو بينها وبين مَكَّة والأول إذا انتهى إِلَى الميقات فأما أن يكون مريداً للنُّسك أو لا يكون، فهؤلاء ثلاثة أصناف.

ولا بد أولاً من بيان المواقيتِ الشَّرْعِية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015