بها، لسقوط بقية الرَّمْي عنه، ثم في الفَصْل مسألة تتعلق بِوَقْتِ الإحْرَامِ بالحَجِّ، وهي أنه لو أحرم بالحج في غير أشهره ما حكمه؟ لاَ شَكَّ في أنه لا ينعقد إحْرَامه بالحَجِّ، ثم أنه نَصَّ في "المختصر" على أنه يكونُ عُمْرَة، وفي موضع آخر على أنه يتحلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَة، وللأصْحَاب فيه طريقان:
أظهرهما: أن المسألة على قولين:
أصحهما: أن إحرامه ينعقد بعمرة؛ لأن الإحْرَام شديد التَشبُّث واللُّزُوم، فإذا لم يقبل الوقت، ما أحرم به انْصَرف إلى ما يقبله.
والثاني: أنه لا ينعقد بعُمْرَة، ولكن يتحلل بِعَمَلِ عمرة كما لو فات حجة، لأن كل واحد من الزمانين ليس وَقتًا للحج، فعلى الأول إذا أتى بأَعْمَال العُمْرَة سقطت عنه عُمْرَة الإسْلاَم، إذا قلنا بافتراضها وعلى الثاني لا تسقط، وشبهوا القولين بالقولين في التَّحَرُّم بالصَّلاَةَ قبل وَقْتِها هل تنعقد نَافِلَة؟ لكن الأظهر هناك أنه إن كان عالماً بالحال لم تنعقد نافلة، وهاهنا الأظهر انعقاد عمرة بكل حال لقوة الإحرام، ولهذا ينعقد مع السَّبب المفسد له بأن أحرم مجامعاً. والطريق الثاني ففي القولين وله طريقان:
أشهرهما: القطع بأنه يتحلل بِعَمَلِ عُمْرَةِ، ولا ينعقد إحرامه عمرة؛ لأنه لم يَنْوِها.
والثاني: حكى الإمام قدس الله روحه عن بعض التَّصَانِيف أن إحرامه ينعقد بهما إن صرفه إلى العمرة كان عمرة صحيحة وإلا تحلل بعمل عمرة، والنصان ينزلان على هذين الحالين.
وقد عرفت من هذا أن المذكور في الكتاب طريق القولين، ولما كانَا متفقين على انعقاد الإحرَام، وعلى أنه لا بد من عَمَلِ عُمْرةَ، وإذا أتى به تحلل لا جرم جزم بانعقاد الإحرام وحصول التحلل، ورد القولين إلى الاحتساب به عن عُمْرَة الإسْلاَم.
ولك إعلام قوله: (قولان) بالواو للطريق الثاني، ولو أحرم قبل أشْهُرِ الحَجِّ إحراماً مطلقاً، فإن الشَّيْخَ أبا على خرجه على وجهين يأتي ذكرهما فيما إذا أحرم بالعُمْرةَ قبل أشْهُرِ الحَجِّ ثم أَدْخَل عليه الحَجَّ في أشهره هل يجوز.
إن قلنا: يجوز انعقد إحرامه بِهِمَا، فإذا دَخَل أشهر الحَجِّ فهو بالخيار في جعله حَجّاً أو عمرة أو قراناً، ويحكى هذا عن الخضري.
وإن قلنا: لا يجوز انعقد إحْرَامُه بعمرة، وهذا هو جواب الجمهور في هذه المسألة، والقاطعون بأنه يتحلل بِعَمَلِ عُمْرَةَ في الصورة الأولى، نزلوا نصه في "المختصر" على هذه الصورة -والله أعلم-.