واعلم أن لفظ الشافعي -رضي الله عنه- في "المختصر" وأشهر الحَجِّ شوال وذو القعدة، وتسع من ذي الحَجَّة، وهو يوم عرفة فمن لم يدركه إلى الفَجْرِ من يوم النحر فقد فاته الحَجِّ، وفيه مباحثتان.

إحداهما: قوله "وهو يوم عرفة" قال المسعودي مَعْنَاه والتاسع يوم عرفة، وفيه معظم الحَجِّ.

وقوله: "فمن لم يدركه" اختلفوا في تفسير، فقال الأكثرون: أراد من لم يدرك الإحرام بالحَجَّ، إلى الفجر من يوم النحر.

وقال المسعودي: أراد من لم يدرك الوُقُوفَ بِعَرَفة.

الثانية: اعترض ابن داود، فقال قوله: (وتسع من ذي الحَجَّة) إما أن يريد به الأيام أو الليالي، إن أراد الأيام فاللفظ مُخْتَل؛ لأن جمع المذكر في العَدَدِ بالهاء؛ كما قال الله تعالى: {وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ}. وإن أراد الليالي فالمعنى مختل؛ لأن الليالي عنده عشر لا تسع، قال: الأصحاب هاهنا قسم آخر وهو أنه يريد الأيام والليالي جميعاً، والعرب تقلب التأنيث في العدد، ولذلك قال: الله تعالى: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (?).

وقال -صلى الله عليه وسلم- "وَاشتَرِطِ الْخِيَارَ ثَلاَثاً" (?).

والمراد الأيام والليالي، ثم هب أن المُرَاد الليالي، ولكن أفردها بالذكر؛ لأن أيامها ملحقة بها فأما الليلة العاشرة، فنهارها لا يتبعها فأفردها بالذِّكْرِ، حيث قال: (فمن لم يدركه إلى الفجر من يوم النحر) وهذا على تفسير الأكثرين.

وأما على تفسير المسعودي، فلم يمنع إنشاء الإحْرام ليلة النحر، أن يتمسك بِظَاهر قوله: وتسع من ذي الحَجَّة، ولا يلزمه إشكال ابن داود.

وأعلم قوله في الكتاب: (وتسع من ذي الحجة) بالحاء والألف؛ لأنهما يقولان وعشر من ذي الحَجَّة بأيامها، وبالميم؛ لأنه يقول وذي الحَجَّة كله، قال جماعة من الأصْحَاب: وهذا اختلاف لا يتعلق به حكم، وعن القَفَّال أن فائدة الخلاف مع مالك كراهة العمرة في ذي الحَجَّة فإن عنده تكره العمرة في أشهر الحج، ثم اتفق مالك وأبو حنيفة وأحمد -رحمهم الله- على أن الإحْرَام بالحَجِّ ينعقد، في غير أشهره إلا أنه مكروه، ويجوز أن يعلم قوله: (وتسع ذي الحَجّة) بالواو أيضاً؛ لأن المُحَامِلِي حكى في "الأوسط" قولاً، عن "الإملاء" كمذهب مالك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015