قال الغزالي: الثَّالِثُ: المُعْتَكِفُ وَهُوَ كُلُّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ لَيْسَ بِجُنُبٍ وَلاَ حَائِضِ فَيَصِحُّ اعْتِكَافُ الصَّبِيّ وَالرَّقِيقِ، وَالسُّكْرُ وَالرِّدَّةُ إِذَا قَارَنَا الابْتِدَاءَ مَنَعَا الصِّحَّةَ، وَإِنْ طَرَأَ فالرِّدَّةُ تُفْسِدُ وَالسُّكْرُ لاَ يُفْسِدُ كَالإغْمَاءِ، وَقِيلَ: إِنَّهُمَا يُفْسِدَانِ، وَقِيلَ: إِنَّهُمَا لاَ يُفْسِدَانِ، وَالْحَيْضُ مَهْمَا طَرَأَ قَطَعَ، وَالجَنَابَةُ إِنْ طَرَأَتْ بِاحْتِلاَمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى الغُسْلِ وَلاَ يَلْزَمُهُ الغُسْلُ فِي المَسْجِدِ وَإِنْ أَمْكَنَ.
قال الرافعي: شرط في المعتكف أن يكون مُسْلِماً عاقلاً نَقِيًّا عَنِ الْجَنَابَةِ، وَالْحَيْضِ. والكلام فيمن يدخل في هذا الضبط ومن يخرج عنه.
فمن الداخلين فيه الصّبي، والرقيق، والمرأة المزوّجة، فيصح اعتكافهم، كما يصح صَوْمُهُم وصلاتهم، لكن لا يجوز للعبد أن يعتكفُ بغير إذن سيدهِ (?)، لأن منفعته مستحقة للسَّيد، ولا المرأة المزوجة أن تعتكف بغير إذن زوجها؛ لأن الزوج يستحق الاستمتاع بها، وإن اعتكفا بغير إذنٍ، كان للسيد إخراج العبد، وللزَّوْجِ إخراج الزَّوجة، وكذلك لو اعتكفا بإذنهما تطوعاً فإنه لا يلزم بالشروع.
وقال مالك ليس لهما الإخراج إذا أَذِنا، وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله- في الزوج، وساعدنا في السَّيد، ولو نذرا اعتكافاً، نظر إن نذراه بغير إذن فلهما المنع من الشروع فيه، فإن أذِنَا في الشُّروع وكان الزمان مُتَعَيَّناً أو غير متعين ولكن شرطَا التتابع لم يجز لهما الرجوع، وإن لم يشرطا التتابع فلهما الرجوع في أظهر الوجهين.
وإن نذرا بالإذن، نظر إن تعلق بزمان مُعَيَّن فلهما الشروع فيه بغير إذن، وإلا لم يشرعا فيه إلا بإذن، وإذا شَرَعَا بالإذن لم يكن لهما المَنْعُ من الإتمام، هكذا أورده أئمتنا العراقيون، وهو مبني على أن النذر المُعَلَّق إذا شرع فيه لَزِمَ إتمامه، وفيه خلاف قَدَّمْنَاه،