وأعرف بعد هذا في لفظ الكتاب شيئين:

أحدهما: أنه أطلق ذكْر الخِلاَف في الصور الأربع وفَسَّره بوجهين، وهو مسلم في الصورة الثانية والثالثة.

وأما الأولى فقد ذكرنا أن من الأصحاب من يجعل الخِلاَف فيها قولاً، وكذا ذكره القفال في "شرح التلخيص".

وأما الرابعة فالجمهور حكوا الخلاف فيها قولين، وإنما أطلق صاحب الكتاب فيها الوجهين تقليداً للإمام.

والثاني: أنه بين أن أحد طرفي الخلاف في الصّور جميعاً يوجه بالقياس.

والثاني: بظاهر الخبر وإذا جرينا على القياس حملنا قِصَّة الأَعْرَابِي عَلَى خاصيته، وخاصية أهله.

قال الإمام: وكثيراً ما كان يفعل ذَلِك رسول -صلى الله عليه وسلم- كما في الأضحية، وإرْضَاع الكَبير ونحوهما، وهذا وإن كان على بُعدٍ فهو أهْوَن من تشويش أصول الشَّرِيعة.

واعلم أن مثل هذا التأويل إنما يصار إليه عند الاضطرار، ولنا عنه مندوحة أما في غير الصّورة الثانية فقد بَيّنَّاه، وأما في الثَّانية فإنما يحتاج إلى تأويل الخبر، فيهما من يجعل الأظهر امتناع العدول إلى الإطعام بعذر شدة الغلمة، ومنهم صاحب الكتاب، فإنه أعاد المسألة في آخر "كتاب الكَفَّارات" وَرجَّحَ وجه الامتناع، وقضية كَلاَمِ الأكثرين التجويز، ولم يورد صاحب "التهذيب" غيره، فإذا صِرْنَا إليه عملنا بِظَاهِرِ الخَبَرِ، واستغنينا عن التأويل.

قال الغزالي: الرَّابعُ: الفِدْيَةُ وَهِيَ مُدٌّ مِنَ الطَّعَامِ مَصْرِفُهَا مَصْرِفُ الصَّدَقَاتِ.

قال الرافعي: الأصل في الفِدْية الخبر والأثر على ما سيأتي ذكرهما (وهي مُدٌّ مِنَ الطَّعام) لكل يوم من أيام رَمَضَان، وجنسه جنس زكاة الفِطْر، فيعتبر على الأصح غالب قُوتِ البَلَدِ، ولا يجزئ الدقيق والسويق كَمَا مَرَّ.

وقوله: (مصرفها مصرف الصدقات) ليس المراد من الصّدقات هاهنا الزكوات، فلا تصرف الفدية إلى الأصناف الثمانية، وإنما المراد التَّطوعات، وهي في الغالب مصروفه إلى الفُقَراء والمَسَاكِين، وكلُ مدٍّ بمثابة كَفَّارة تامة، فيجوز صَرْفُ عَدَدٍ منها إلى مسكين واحد، بخلاف أمداد الكَفَّارة الواحدة، يجب صرف كل واحد مِنْها إلى مسكين، كما سيأتي في موضعه، ويجوز أن يعلم قوله: (مد) بالحاء والألف؛ لأنه روي عن أبي حنيفة -رحمه الله- أنها مُدٌّ من بُرٍّ أو صاعٌ مِنْ تَمْرٍ.

وعن أحمد -رحمه الله- أنها "مدّ" مِنْ بِرٍّ أو نصف صَاعٍ من تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015