وخالف أَبو حَنِيفَةَ فِي الْمَسْألَتَيْنِ وَنَظَائِرِهَا، ورأيت الحَنَّاطِي حَكَى وجهين فيمن أَدْخَل طَرَفَ خَيْطٍ في دُبُرِهِ أو في جَوْفِهِ، وبعضه خَارجٌ، فعل يفطر، فيجوز أن يعلم لهذا قوله: (وإن كان بعض السكين خارجاً) مع الحاء بـ (الواو).
فرع: لو ابتلع طرف خيط باللَّيْلِ وطرفه الآخر خارج وأصبح كذلك فإن تركه لم تَصِحّ صَلاتُه، وإن نزعه أو ابتلعه لم يصح صَوْمُه، فينبغي أن يبادر غيره إلى نَزْعَةِ وَهوَ غَافِلٌ، فَإِنْ لَمْ يتفق فالمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلاَةِ، بنزعه، أوِ ابْتِلاعِهِ أولى (?)؛ لأن الصَّوْمِ يُتْرَك بِالْعُذْرِ، وَيُقْضَى بِخِلاَفِ الصَّلاَةِ، وذكر في "التتمة" وجهاً آخر، وهو أن الأولى: أن يتركة كذلك، ويصلِّي على حسب حاله؛ لأنه شَارعٌ فِي الصَّوْمِ، فلا ينبغي أن يفسده.
قال الغزالي: (أَمَّا القَصْدُ) فَنَعْنِي بِهِ أنَّهُ لَو طَارَت ذُبَابَةٌ إِلَى جَوْفِهِ أَوْ وَصَلَ غُبَارُ الطَّرِيقِ إِلَى بَاطِنِهِ أَوْ أُوجِرَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلاَ يُفْطِرُ إِلاَّ أَنْ يُوجَرَ المُغْمَى عَلَيْهِ مُعَالَجَةَ فَفِيهِ وَجْهَانِ.
قال الرافعي: ومن القيود كَوْنُ الوُصول عن قصد منه، فلو طَارَت ذُبَابَةٌ أو بَعُوضَةٌ إِلَىِ حَلْقِهِ، أو وَصَلَ غُبَارُ الطَّرِيقَ، وَغَرْبَلَةَ (?) الدَّقِيقِ إِلَى جَوْفِهِ، وغير ذلك لم يكن مُفْطِراً، وإن كان إطباق الفَمِ، واجتناب المطروق، ومفارقةُ مَوْضِع الطَّرِيقِ مُمْكِناً، لكن تكليف الصَّائِم الاحتراز عن الأفعال المعتادة التي يحتاج إليها يَجُرُّ عُسْراً شَدِيداً، بل لو أفتح فاه حتى وَصَلَ الغُبَار إِلَى جَوْفِهِ، فقد قال في "التهذيب": أصَحُّ الوَجْهَيْن أنه يقع عفواً، وشَبَّهُوا هَذَا الخِلاَف بالخلاف فيما إذا قَتَلَ البَرَاغِيث عَمْداً، وَتَلَوَّثَتْ يَدُهُ أَنَّهَا هَلْ يَقَعْ عَفواً، ولو ربطت المرأة ووطئت أو أوجر بِالسِّكِّينِ، أو وجئ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلاَ إِفْطَارَ، ونقل الْحَنَّاطِي، وجهين فيما لو أوجر بِغَيْرِ اختياره وهو غَرِيبٌ بمرة. نعم، لو كان مغمى عليه، فأوجر مُعَالجةً وإصْلاَحاً ففيه وجهان، وفي "النهاية" قولان:
أحدهما: أنه يفطر؛ لأن هذا الإيجار لمصلحته فكأنه بإذنه واختياره.