وقال أَبو حنيفة، والمُزنَي: يقع عن رَمَضَان إِذَا بَانَ الْيوم منه، كما لو قال: هَذَا زَكَاةُ مَالِي الغَائِب، إِنْ كَانَ سَالِماً، إلا فَهُوَ تَطَوُّعٌ، فبَانَ سَالِماً يُجْزئه.

قال الأَصحَاب: الفرق أن الأصْلَ هُنَاكَ سَلاَمَة المَالِ، فَلَهُ اسْتِصْحَابُ ذَلِكَ الأَصْلِ وهاهنا الأَصْلُ بَقَاءُ شَعبَان، ونَظِير مسألة الزَّكاة مما نحن فيه أن ينوي ليلة الثَّلاثين من رمضان صوم الغَدِ، إن كان من رَمضَان، إلا فهو مفطر، فيجزئه، لأن الأصْلَ بَقَاءَ رَمَضَان. ولو قال: أصوم غداً مِنْ رمضان، أو تطوعاً أو قال: أصوم أو أفطر، لَمْ يصح صَوْمه، لا في الأول ولا في الآخر، كما إذا قال: أصوم أولاً أصوم، وإن لم يُرَدِّدْ نِيَّتَه وجزم بالصَّوْم عن رمضان [لم يصح أيضاً] فإنه إذا لم يعتقد كَونَه مِنْ رَمضَان لمَ يتَأت مِنْهُ الجزمُ بالصَّوْم عن رمضان حقيقة، وما يعرض حَدِيث نَفْس لا اعتبار به. وعن صاحب "التقريب" حكاية وجه: أنه يَصِح صَومُه، هذا إذا لم يعتقد كَونَه من رمضان.

وإن اعتقد كونه من رمضان نظر: إن لم يستند عَقْدُه إلى ما يُثير ظناً فَلاَ عِبْرَة به، وإن استند إلى ما يثير ظنًا كما إذا اعتمد على قول من يثق به من حُرٍّ أو عبد أو أمرأَة أو حبيبين ذَوِي رُشْدٍ، ونوى صومه عن رمضان أجزأَهُ إذا بَانَ أنه من رمضان (?)؛ لأن غلبة الظَّن في مِثْلِ هذا لَهُ حكم اليَقِين، كما في أوقات الصلاة، وكما إذا رأى الهلالَ بنَفْسه، وإن قال في نيته والحالة هذه: أصوم عن رمضان، فإن لم يكن من رمضان فهو تَطَوُّع، فقد قال الإمام: ظاهر النَّصِّ أنه لا يعتد بِصَوْمه، إذا بَانَ اليوم من رمضان لمكان التَّردُّدِ، قال: وفيه وجه آخر وبه قال المُزَنِي: أنه يصح لاستناده إلى أَصْلٍ ثم رأى طَرْدَ الخِلاَف فيما إذَا جَزَمَ أيضاً، ويدخل في قسم استناد الاعتقاد إلى ما يثير ظنًا بناء الأمر على الحِسَاب، حيث جوزناه على التَّفصيل الذي سبق -والله أعلم-.

ومنها إذا حكم القَاضِي بشهادة عدلين أو وَاحدٍ إذا جَوَّزنَاهُ وَجَبَ الصَّوْمُ، ولم يقدح ما عساه يبقى من التردد والارتياب.

ومنها: المحبوس في المطمورة إذا - اشتبه عليه شَهْرُ رمضان اجتهد وصامَ شهراً بالاجتهاد، كما يجتهد لِلصَّلاة في القبلة والوقت (?)، ولا يغنيه أن يصوم شهراً من غير اجتهاد إن وافق رمضان (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015