وإن لم نعتبر العدد، ففي اعتبار العدالة الباطنة وجهان جَارِيان في قبول رواية المَسْتُور. قال الإمام: وأطلق بعض المصنفين الاكتفاء بالعَدَالَة الظَّاهِرَة، وهو بعيد.

نعم، قد نقول يأمر القَاضِي بالصَّوْمِ بمظاهر العَدَالَة كَيْ لاَ يفوت الصَّوْمُ ثم نبحث بعد ذلك، ولا فرق على القولين بين أن تكون السَّمَاءُ مصحية أو متغيمة (?).

وعند أبي حنيفة: يثبت هلالُ رمضانَ في الغَيْم بِوَاحِدِ وفي الصَّحْوِ يعتبر الاستفاضة والاشتهار، ويختلف ذلك باختلاف صِغَرِ الْبَلْدَةِ وَكِبَرِهَا.

قال الرُّوَيانِي: وربما قالوا: يعتبر عدد "القسامة" خَمْسُون رجلاً.

وإذا صمنا بقول واحد تفريعاً على أصَحِّ القولين ولم نَرَ الهِلاَلَ بَعْدَ ثَلاَثِينَ فهل نفطر؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا؛ لأنا لو أَفْطَرنَا لَكُنَّا مفطرين بقول وَاحِدٍ، والإفطار بقول واحد لا يَجُوزُ، ألا ترى أنه لو شَهِدَ على هِلاَلِ شوال ابتداء لم نفطر بقوله:

والثاني: يفطر؛ لأن الشَّهْرَ يتم بمضي ثلاثين، وقد ثبت أوله بقول الواحد، ويجوز أن يثبت الشيء ضِمْنًا بما لا يثبت به أصْلاً ومقصوداً، ألا ترى أن النَّسَبَ والمِيرَاثَ لا يثبتان بِشَهَادَةِ النِّسَاء، ويثبتان ضِمْناً لِلْوِلاَدَةِ إذا شَهِدْنَ عَلَيْهَا.

واعترض الإمام عليه، بأن قال النسب لا يثبت بقولهن، لكن إذا ثبتت الولادة ثبت النسب بحكم الفِراش القائم، وهاهنا بخلافه.

وللمحتج أن يقول: لا معنى للثّبوت الضمني إلا هذا، وخذ مني مثله هاهنا عندي لا نفطر بقوله، لكن إذا ثبت أول الشَّهْر انتهى بمعنى ثلاثين يوماً وجاء العيد ولا صَوْمَ يَوْمَ العِيدِ. وما موضع الوجهين؟ نقل في "التهذيب" فيه طريقين:

أحدهما: أن الوجهين فيما إذا كانت السَّمَاءُ مصحيةً، إما إذا كانت متغمية فنفطر بلا خلاف، وهذا ما أورده صَاحِب "العدة"، وأوفقهما لكلام صاحب الكتاب، والأكثرين أن الوجهين شَامِلاَن للحالتين، ثم إيراد الكتاب يقتضي ترجيح الوَجْهِ الأَوَّلِ، لكن المعظم رَجَّحُوا الثَّانِي، وحكوه عن نصه في "الأم" وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله-. ولو صُمْنَا بقول عَدْلَيْنِ، ولم نَرَ الهِلاَل بَعْدَ ثلاثين فإن كانت السماء متغيمة أَفْطَرْنا وَعَيَّدْنَا؛ وإن كانت مصحية فكذلك عند عامة الأصْحَاب، وحكاه في "الشامل" عن نَصِّه في "الأم" وحرملة؛ لأن العدلين لو شهدَا ابتداء على هلال شَوَّال لقبلنا شهادتهما وأفطرنا؛ فلأن نفطر بناء على ما أثبتناه بقولهما أولاً أَوْلَى، وقال ابن الحَدَّادِ: لا نفطر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015