وقوله في الكتاب: (وعلى الأولِ إذَا ملك ...) إلى آخره، ينبغي أن يعلم فيه أن نفي الزكاة في صورة الموت ليس تفريعاً على هذا القول خَاصَّة، بل هو لازم على الأقوال كُلِّها، ومواضع العلامات عِنْدَ ذِكْرَ الأَقوَالِ لاَ تَخْفَى -والله أعلم-.
قال الغزالي: وَالنَّظَرُ فِي ثَلاثةِ أَطْرَافٍ: الطَّرَفُ الأَوَّل فِي المُؤَدَّى عَنْهُ، وَكُلُّ مَن وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ تَجِبُ عَلَى المُنْفِقِ فِطْرَتُهُ مِنَ الزَّوْجَةِ (ح) وَالْمَمْلُوكِ وَالقَرِيب.
قال الرافعي: الكلام في زَكَاةِ الفطر في أنها مَتَى تُؤَدَّى وَعَمَّنْ تُؤَدَّى، وَمَنِ الَّذِي يُؤَدِّي وَمَا المُؤَدَّى، وَإِلَى مَن تُؤَدَّى.
أما الأخير من هذه الأمور فموضعه كتاب: "قَسْم الصَّدَقَاتِ".
وأما الأوَّلُ: فيحتاج فيه إلى مَعْرِفَةِ وَقْتِ الْوُجُوب، وقد فَرَغْنَا منه الآن، ويجوز التقديم عليه على الضَّبْطِ المذكُورِ في مَسَائِل التَّعْجِيلِ.
وأما إذا لم يعجل، فالمستحب ألاَّ يؤخر أداءَهَا عن صَلاَةِ العِيدِ؛ لِما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم-: "فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ" (?) فلا يجوز تَأخِيرُهَا عَنْ يَوْمِ العِيدِ؛ لِما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "أغْنُوهُمْ عَنِ الطَّلَبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ" (?) فلو أَخَّرَ عَصَى وقَضَى، بقي هاهنا النظر في الأطراف الثلاثة الباقية:
الأول: في المُؤَدَّى عَنْهُ.
اعلم: أن الفطرة قد يُؤَدِّيهَا الإِنْسَانُ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَد يُؤَدِّيَهَا عَنْهُ غَيْرُهُ.
والأصل فيه قولُه -صلى الله عليه وسلم-: "أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَمَّنْ تَمُونُونَ" (?) والجهات التي يَصِيرُ بِهَا الشَّخْصُ فِي نَفَقَةِ الْغَيْرِ وَمَؤْنَتِهِ ثَلاَثٌ: النِّكَاح، والمِلْكُ، وَالْقَرَابَةُ، وكُلَّها تقتضي لزوم الفِطْرَةِ أَيْضًا فِي الجُمْلَةِ.
ثم القول في شرائط الوجوب ومواضع الاستثناء عَنْ هَذَا الأَصْلِ سَيَظْهَرُ مِنْ بَعْد؟ وليكن قوله: (تجب على المُنْفِق فِطْرَتُه) وكذا قوله: (من الزوجة) مُعَلَّمَيْنِ بِالحَاء.
أما الثاني: فلأن عِنْدَه لاَ تَجب فِطْرَة الزَّوْجَة عَلَى الزَّوْجِ، وإنما هي عَلَيْهَا وحكى ذلك عن اختيار ابْنِ المُنْذِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا