فيضرب عليها خراج يؤديه مَنْ يسكنها مسلماً كان أو ذمياً، فأما إذا فتحت بلدة صلحاً، ولم يشترط كون الأراضي للمسلمين، ولكن مكثوا فيها بخراج فهذا يسقط بالإسلام فإنه جزية، وعند أبي حنيفة لا يسقط، والبلاد التي فتحت قهراً وقسمت بين الغانمين واستبقيت في أيديهم، وكذا الذي أسلم أهلها عليها، والأراضي التي أحياها المسلمون عشرية محضة، وأخذ الخراج منها ظلم.
فرع: النَّواحي التي يؤخذ الخَرَاج منها، ولا يعرف كيف كان حالها في الأصل، حكى الشيخ أبو حامد عن نص الشافعي -رضي الله عنه- أنه يستدام الأخذ منها، فإنه يجوز أن يكون الذي افتتحها صنع بها ما صنع عمر -رضي الله عنه- بسواد العراق، والظاهر: أن ما جرى طول الدَّهْر جرى بحق. فإن قيل: فهل يثبت فيها حكم أراضي السواد من امتناع البيع والرهن؟ قيل: يجوز أن يقال الظاهر في الأخذ كونه حقاً، وفي الاْيدي الملك فلا نترل واحداً من الظاهرين إلا بيقين ولهذا نظائر.
فرع: الخراج المأخوذ ظلماً لا يقوم مقام العشر، فإن أخذ السُّلْطان على أن يكون بدلاً عن العشر فهذا كأخذ القيمة في الزَّكَاة بالاجتهاد، وقد حكوا في سقوط الفرض به وجهين، الذي ذكره في "التتمة" أنه يسقط، فإن لم يبلغ ذلك قدر العشر أخرج الباقي. وفي "النهاية" أن بعض المصنفين حكى قريباً من هذا عن أَبِي زيد المروزي واستبعده (?). ونعود بعد هذا إلى ما يتعلَّق بلفظ الكتاب. أما قوله: "وهو مقدار خمسة أوْسق" معلم بالحاء؛ لأن عنده لا حاجة إلى التَّقييد بهذا المقدار. وقوله: "في كل مقتات" بالحاء والميم والألف؛ لأن عندهم لا يتقيد الوجوب بالأقوات، بل عند أبي حنيفة يجب في جميع الثمار والخضروات والحبوب التي تنبتها الآدميون إلا الحَشِيش والقَصَب والحَطَب. وعند مالك يجب في كل ما تعظم منفعته ويدخر كالسِّمْسم، وبذر الكِتَّان، والقُطْن. وعند أحمد يجب في جميع الثمار والحبوب التي تكال وتدخر سواء النابت بنفسه والمستنبت.
وقوله: "في حال الاختيار" يحصل به الاحتراز عن "الغثّ" وغيره مما يقتات عند الضَّرورة، وذكر في "الوسيط" أنه احترز به عن الثّفَاء والتِّرْمِس، فإن العرب تَقْتاته في حالة الاضْطِرار، وأورد الإمام نحواً من ذلك، والذي قاله الجمهور في الثّفَاء والتِّرْمِس ما قدمنا ولم يجعلوهما مما يُقْتات، وعدّ الأزهري كليهما مما لا يقتات والله أعلم.