الأَوْسُق الخمسة ثلاثمائة منّ، وهذا بالمنِّ الصغير وبالكبير -أعني- الذي وزنه ستمائة درهم يكون ثلثمائة مَنٍّ وستة وأربعين منًّا، وثلثي مَنٍّ، وهل يعتبر القدر المذكور تقريباً أم تحديداً؟ فيه وجهان:
أحدهما: وهو الذي ذكره الصيدلاني تقريباً؛ لأن الوَسْق عبارة عن حمل بعير، وذلك قد يزيد وينقص، وإنما قدر بستين صاعاً تقريباً، وأخذاً بالوسط.
وأصحهما عند المحاملي والأكثرين: أنه تحديد، لما روي عن عائشة -رضي الله عنه- أنها قالت: "جَرَتِ السُّنَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ" (?).
ولأن نصاب المواشي وغيرها معتبر على التحديد، فكذلك هاهنا، فإن قلنا الأول احتمل نقصان القدر القليل كالرطل والرطلين، وحاول إمام الحرمين (?) ضبطه، فقال: الأوساق هي الأَوْقَار، والوَقر المقتصد مائة وستون مَنًّا، فكل نقصان لو زرع على الأَوْسُق الخمسة لم تعدّ منحطة عن حد الاعتدال، فلا يضر، وإن عدت منحطّة عن حد الاعتدال لم يحتمل، وإنْ أشكل الأمر فيجوز أن يقال: لا زكاة إلى أن تتحقق الكثرة، ويجوز أن يقال: يجب لبقاء الأوسق، وتعليق الزكاة بها في الخبر الذي رويناه قال: وهذا أظهر، ثم جرى في أثناء كلامه أن الاعتبار فيما علَّقه الشَّارع بالصَّاع والمدّ بمقدار موزون يضاف إلى الصَّاع، والمدّ لا بما يحوي البُرّ ونحوه وذكر القاضي الرويانيُّ وغيره: أن الاعتبار بالكيل لا بالوزن. قال أبو العباس الجرجاني: إلا العَسَلَ إذا أوجبنا الزكاة فيه فالاعتبار فيه بالأَرْطَال؛ لأنه لا يكال وهذا هو الصحيح، وسيأتي شواهده ومنها قوله في المختصر: "مكيلة زكاة الفطر" هذه الترجمة تشعر بأن المعتبر الكيل، وعلى هذا توسط في "العدة" بين وجهي التقريب والتحديد، فقال: هو على التحديد في الكيل، وعلى التقريب في الوزن، وإنما قدره العلماء بالوزن استظهاراً (?).