وأما في الأموال الظاهرة فكذلك إنْ جوزنا له أن يفرق زكاتها بنفسه، وإلاَّ فلا إمكان حتى يجد الإمام أو نائبه ثم إذا وجد من يجوز الصرف إليه لكن أخر لطلب الأفضل. ففي جوازه وجهان، وذلك كما إذا وجد الإمام أو نائبه وأخر ليفرق بنفسه حيث قلنا: إنه أولى أو وجد أهل السُّهْمَان فأخر ليدفع إلى الإمام أو نائبه حيث قلنا: إنه أولى أو أخر لانتظار قريب أو جار أو من هو أحوج إليه. أحد الوجهين: أنه لا يجوز التَّأْخير لذلك؛ لأن المستحق حاضر والزكاة واجبة على الفور فلا يؤخر.

وأظهرهما: الجواز؛ لأنه تأخير لغرض ظاهر، وهو اقْتِنَاص الفضيلة به فيسامح فعلى هذا لو أخر وتلف هل يضمن؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا كالتأخير لسائر الأسباب الجائزة.

وأصحهما: نعم، لأن الإمكان حاصل، وإنما يؤخر لغرض نفسه فيتقيَّد جوازه بشرط سلامة العاقبة. وذكر إمام الحرمين للوجهين شرطين:

أحدهما: أن يظهر اتِّصَاف الحاضرين بصفة الاستحقاق، فإن تردد في استحقاقهم (?)، وأخرَّ ليترَوَّى وينظر فلا خلاف.

والثاني: أن لا يشتد حاجة الحاضرين وفاقتهم، أما لو كانوا يتضررون جوعاً فأخَّر لانتظار قريب أو جَارٍ لم يجز بلا خلاف، ولك أن تقول: إشباع الجائعين، وإن وجب لكنه غير متعين على هذا الشخص ولا من هذا المال ولا من مطلق مال الزكاة (?)، وإذا كان كذلك فلم يلزم من وجوب الإشباع في الجملة أن لا يجوز تأخير الزَّكَاة لاقتناص فضيلة في الأداء.

وقوله في الكتاب: "أو بغيبة المستحق" أراد به مستحق الأخذ لا مستحق المال المأخوذ. وقوله: "وهو المسكين أو السلطان" إشارة إلى الخلاف في وجوب صرف زكاة الأموال الظاهرة إلى الإمام، معناها: وهو المسكين في المال الباطن والسلطان في المال الظاهر على أحد القولين، وهذا لفظه في "الوسيط"، لكن قوله: "وهو المسكين" غير مجرى على ظاهره، فإن المسكين غير متعيّن الاستحقاق في المال الباطن بل يجوز الصَّرْف إلى السلطان أيضاً، ثم قضية قوله: وإمكان الأداء يفوت بغيبة المال، أو بغيبة المستحق انحصار فوات الإمكان في الأمرين، وبتقدير أن يكون كذلك يكون الإمكان لازم الحصول عند اجتماع الأمرين لكن قال صاحب "التهذيب" وغيره: يشترط في إمكان الأداء أن لا يكون مشتغلاً بشيء يهمه من أمر دينه ودنياه، فإذاً اللفظ محتاج إلى ضرب من التأويل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015