وأيضاً فإن ملكه ضعيف، أَلا تَرى أنه لا يرث ولا يورث عنه ولا يعتق عليه قريبه ثم إذا أعتق وبقي المال في يده ابتدأ الحَوْل من يوم العتق، وإن عجز وصار مَا فِي يده للسَّيد ابتدأ الحول من حينئذ.
الرابعة: العبد القنّ لا يملك بغير تمليك السَّيد لا محالة، وهل يملك بتمليك السيد؟ فيه قولان مذكوران في الكتاب في موضعهما؛ فإن قلنا: لا، وهو المذهب فزكاة ما ملكه من الأموال الزَّكوية على السَّيد، ولا حكم لذلك التَّمليك، وإن قلنا: نعم، فلا زكاة على العبد كما لا زكاة على المُكاتب بل أولى؛ لأن للسَّيد أن يسترده وينتزعه متى شاء، وهل يجب على السيد؟ فيه وجهان:
أصحهما: لا؛ لأن ملكه زائل.
والثّاني: نعم؛ لأن ثمرة الملك باقية، فإن للسَّيد أن يتصرف فيه كيف شاء، وإذا أعتق العبد ارتد الملك إليه بخلاف ملك المكاتب إذا أعتق، حكى هذا الوجه أبو عبد الله الحَنَّاطي، ونقله الإمام عن "شرح التَّلخيص"، وقد عرفت بما ذكرنا أن قوله: "ولا على سيديهما في مالهما" تفريع على أنَّ العبد يملك بتمليك السَّيد إياه، وإلا فليس للعبد مال وهو معلّم بالواو. لما روينا من الوجه الثاني، والمدبّر وأم الولد كالعبد القنّ (?).
الخامسة: من بعضه حرٌّ وبعضه رقيق، لو ملك بنصفه الحر نصاباً فهل عليه زكاته؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا، لنقصانه بالرِّقِّ كالعبد والمُكَاتب، وهذا هو الَّذي ذكره في "الشامل".
وأصحهما: وهو المذكور في الكتاب أنه تجب؛ لأن ملكه تام على ما ملكه بالجزء الحُرّ منه، ولهذا قال الشافعي -رضي الله عنه- أنه يكفر كفارة الحرّ الموسر، وقال: إنه يلزمه زكاة الفطر بقدر ما هو حر، هذا تمام الصّور وقد تبيّن بها أن المعتبر فيمن تجب عليه الحرية والإسلام على ما ذكر في أول الفصل، لكن قوله: "وهو كل حر مسلم" يقتضي أَنْ لا تجب الزَّكَاةُ على من ملك بنصفه الحُرّ؛ لأنه يقع على من جميعه حرٌّ، فأما من بعضه حر وبعضه رقيق، يصدق عليه القول بأنه ليس بحُرّ، فلما وجبت الزَّكَاة عليه على ظاهر المذهب، وهو الذي ذكره في الكتاب ووجب تأويل اللفظ والله أعلم.
تم الجزء الثاني
ويليه الجزء الثالث، وأوله:
"باب أداء الزكاة وتعجيلها"