بزكويِّ. أما إذا ملك مالين زكويين كَنِصَاب من الغنم ونصاب من البقر وعليه دين نظر إن لم يكن الدَّين من جنس ما يملكه، فقد قال في "التهذيب": يقص عليهما فإن خص كل واحد منهما ما ينقص به عن النصاب فلا زكاة على القول الذي عليه تفرع، وذكر أبو القاسم الكَرْخِيُّ وصاحب "الشامل": أنه يراعي الأحظّ للمساكين، كما أنه لو ملك مالاً آخر غير زكويّ صرفنا الدَّين إليه رعاية لحقهم.
ويحكى عن ابن سريج ما يوافق هذا وإن كان الدَّين مِنْ جنس أحد المالين، فإن قلنا: الدين يمنع الزكاة فيما هو من غير جنسه، فالحكم كما لو لم يكن من جنس أحدهما، وإن قلنا: لا يؤثر من غير الجنس اختص بالجنس.
وقوله: "وقيل: الدّين لا يمنع الزَّكَاة" إشارة إلى القول الثَّالث في أصل المسألة على ما صرح به في "الوسيط"، ويأتي فيه مثل [الاستدراك الذي سبق فإنه لم يتكلم إلاَّ في المال الباطن، ويجوز أن يعلم قوله: "بالواو"؛ لأن من الأصحاب من لم يثبته واقتصر على القولين الأوليين -والله أعلم-] (?).
قال الغزالي: وَلَو قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أتَصَدَّقَ بِالنِّصابِ، فَهَذَا أَوْلَى بِأنْ يَمْنَعَ الزَّكَاةَ لِتَعَلُّقِهِ بِعَيْنِ الْمَالِ، وَلَو قَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ الأَغْنَامِ ضَحَايَا فَلاَ يُبْقَى لإِيجَابِ الزَّكَاةِ وَجْهٌ مُتَّجَهٌ وَإِنْ تَمَّ الحَوْلُ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ التَّصَدُّقُ بِأَرْبَعَينِ مِنَ الغَنَمِ فَهَذَا دَيْنٌ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَيْنِ الآدَمِيِّينَ، وَأَوْلَى بِأَنْ لاَ يَدْفَعَ الزَّكاةَ، وَدَيْنُ الحَجِّ كَدَيْنِ النَّذْرِ.
قال الرافعي: إذا قلنا: الدَّيْن يمنع الزَّكَاة فلا فرق عندنا بين دين الآدميين ودين الله -تعالى- وعند أبي حنيفة -رحمه الله- دين الآدميين يمنع، وكذا الزَّكَاة تمنع الزكاة والكَفَّارات لا تمنع. إذا عرفت ذلك ففي الفَصْلِ صور:
إحداها: لو ملك نصاباً من المواشي أو غيرها فقال: لله على أن أتصدق بهذا المال أو بكذا من هذا المال فمضى الحول قبل التصدق، هل لجب زكاته؟ إن قلنا: الدين يمنع وجوب الزكاة فهاهنا أولى بأن لا تجب الزكاة لتعلق النَّذْر بعين المال وصيرورته واجب التَّصرُّف إلى ما نذر قبل وقت وجوب الزَّكَاة.
وإن قلنا: الدين لا يمنع وجوب الزَّكاة فهاهنا وجهان:
أحدهما: أنه كالدَّين، لأنه في ملكه إلى أن يتصدق.
والثاني: يمنع لتعلّقة بعين المال، وامتناع التصرف فيه ويخرج مما حكيناه طريقان في هذه الصورة: