قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الدَّقِّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُكْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ سَعْدٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ، لَنَا قَالَ: " كُنْتُ أُمَاشِي إِسْمَاعِيلَ بْنَ سُهَيْلٍ، وَكَانَ أَحَدَ الْحُكَمَاءِ، فَقَالَ: " أَلَا أُخْبِرُكَ بِبَيْتِ شِعْرٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ؟ فَقُلْتُ: بَيْتُ شِعْرٍ خَيْرٌ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَقَالَ: نَعَمْ ثُمَّ. قَالَ: أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ نَفْسُكَ أَوْ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ؟ قُلْتُ: نَفْسِي: فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الخفيف]
اخْفِضِ الصَّوْتَ إِنْ نَطَقْتَ بِلَيْلٍ ... وَالْتَفِتْ بِالنَّهَارِ قَبْلَ الْمَقَالِ
لَيْسَ فِي الْقَوْلِ رَجْعَةٌ حِينَ يَبْدُو ... بِقَبِيحٍ يَكُونُ أَوْ بِجَمَالِ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فَصَاحِبُ الْعُزْلَةِ فِي أَمَانٍ مِنْ هَذَا الْوَجَلِ وَفِي حِصْنٍ مِنْ هَذَا الثَّغْرِ. وَقَدْ أَنْعَمَ بَيَانَ هَذَا الْمَعْنَى ذُو الرُّمَّةِ حَيْثُ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
أُحِبُّ الْمَكَانَ الْقَفْرَ مِنْ أَجْلِ أَنَّنِي ... بِهِ أَتَغَنَّى بِاسْمِهَا غَيْرَ مُعْجِمِ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعُزْلَةِ إِلَّا السَّلَامَةُ مِنْ صُحْبَةِ الْعَامَّةِ وَالرَّاحَةُ مِنْ تَعَبِ مُجَالَسَتِهِمْ وَمُصَابَرَةُ أَخْلَاقِهِمُ الْأَخْلَاقِ وَمَا يَسْتَفِيدُهُ الْإِنْسَانُ بِمُفَارَقَتِهِمْ وَيُكْفَاهُ مِنْ مَؤُونَةِ تَقْوِيمِهِمْ، وَيَأْمَنُهُ مِنْ غَوَائِلِهِمْ فِي صَدْقِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِمْحَاضِ النَّصِيحَةِ لَهُمْ، فَإِنَّ الْحَقَّ كَمَا قِيلَ مَغْضَبَةٌ وَبَعْضُ النُّصْحِ لِلْعَدَاوَةِ مَكْسَبَةٌ، لَكَانَ فِي ذَلِكَ رَاحَةٌ مُرِيحَةٌ وَقَدْ قَلَّ مَنْ يَعْرِفُ وَأَقَلُّ مِنْهُ مَنْ يُنْصِفُ