ومجمل الأمر فى هذا " أنَّ كلَّ سورة لها مقصدٌ واحدٌ يُدار عليه أوَّلُها وآخرُها، ويستدلُّ عليه فيها، فترتَّب المقدِّمات الدَّالة عليه على أتقن وجه وأبدع نهج، واذا كان فيها شئٌ يحتاج إلى دليلٍ استدلّ عليه، وهكذا فى دليل الدليل، وهلمَّ جرّا، فإذا وصل الأمرُ إلى غايتِه ختِمَ بما منْه ابتدأ، ثم انعطف الكلامُ وعاد النظر عليه على نهج آخر بديع، ومَرَّ فى غير الأوَّل منيع، فتكونُ السورة كالشجرة النَّضيرة العالية والدَّوحة البهيجة الأنيقة الحَالِية المُزَيَّنة بأنواع الزِّينة المنظومة بعد أنيق الورق بأفنان الدُّر وأفنانها منعطفة إلى تلك المقاطع كالدوائر، وكلُّ دائرة منها لها شعبة متصلة بما قبلها، وشعبة ملتحمة بما بعدها، وآخر السُّورة قد واصل أولها، كما لاحم انتهاؤها ما بعدها وعانق ابتداؤها ما قبلها، فصارت كلُّ سورة دائرة كبرى مشتملة على دوائر الآيات الغُرِّ البديعة النظم العجيبة الضَّمِّ بِلِينِ تعاطف أفنائها، وحسن تواصُلِ ثمارِها وأفنانِها. (?)

فمن مقتضَيات هذا أنَّ " مَنْ حقَّقَ المقصودَ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ عرف تناسبَ آياتها وقصصها وجميع أجزائها. (?)

فالسُّورةُ فى تناسب جُملها وآياتِها ونجومِها ومَعاقِدِها تُشبه الشَّجرةَ ذات الأوراق والأغصان، والتى يسرى فيها كلِّها عصارة واحدة، فلا تختلف طعومها ولا رائحتها، فجميع ثمارها سواء، وجميع أغصائها وأوراقها سواء، هذه العصارة فى الشجرة هى المقصود والمغزى فى السورة وهى المبدأ المُهيمن على كل شئ فيها (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015