بهذا تبين لنا كيف أنَّ كلَّ سورة منها قد اختصت بغيرما اختصت به الأخرى من مقتضِيات الحَمْدِ، وكيف أنّها رتبت ترتيبا مُحْكَمًا، فكانت (أمُّ الكتاب) جامعة للمحامد وكانت الأنعام للإيجاد الأول الذى يسبق الإبقاء الأوَّل الذى كانت له (الكهف) وكان الإيجاد الثانى بسورة (سبأ) وكانت آخر السور الخمس (فاطر) للنعمة العظمى والأخيرة (الإبقاء الثانى) . (?)
وبهذا يتبين لك عظيم دلالة الاستهلال على المقاصد المتصاعدة في السياق القرآنيّ، فلا يكون بِمَلْكِ أحد من العالمين أن يقدم سورة على أخرى {قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} (النساء: من الآية78)
(بيان الفصل بين هذه السور)
قد يكون الالتفات إلى دلالة استهلال هذه السور بالحمد ميسّرًا، فينبعث القلب إلى التبصّر والتّدبّر، غير أن من اللطافةِ بمكانٍ فَصْلَ السياق الترتيلى بين سورة (الفاتحة) وسورة (الأنعام) بأربع سور: (البقرة،وآل عمران، والنساء، والمائدة) وهي جميعها مدنية بين مكيتين