ومعنى ذلك أنَّه " نُزّلت الآيات والجمل التى هى من أجزاء السورة منزلة المحلات والبيوت فى البلد، ولولا هذا التنزيل لم يصح هذا التشبيه"

وقد يأتى البيان القرآنيّ مطلقا كلمة (سورة) على جملة من الآيات مثلما جاء إطلاق كلمة (قرآن) على بعضه، يقول الله - عز وجل -:

{وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ) (التوبة:86)

{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (النحل:98)

فدلَّ على أنَّ التَّحدَّي غيرُ مقصورٍ على السُّورة بمعناها الاصطلاحى بل يكون التحدى بما كان فيه من الآيات بعض خصائصها من تمام المعنى ومن الاختصاص بمعنى كليّ وغرض تام، كما تراه فى آية الكرسيّ مثلا، فإنَّ مثل هذا القدر من القرآن الكريم فيه من الإعجاز ما يقع به التحدي.

وغير خفى أنَّ الذي يهمنا هنا ليس أمر التّحدذي ن بل يهمنا أمْرُ الإعجاز البيانِيّ للقرآن الكريم،وهولا شكَّ متحققٌ بآية تامذة المعنى ن فما فوقها.

وإذا ما تحقق الإعجاز الذى هو البرهان القاطع على صحة النبوة بسورة أو ما دونها من الآيات ذوات الغرض الخاص والمعنى التام، فإنَّ الإعجاز مراتب بعضها فوق بعض من حيث مقتضياته الكامنة والشَّاخصة فى بيانه ونظمه، فإنَّ خصائص البيان والنظم المعجزة فى آيات معدودات من سورة ما ليست على قدرها فى السورة كلّها، وليست على قدرها فى القرآن الكريم كله

إنَّ الإعجاز ليس خاصا بالسورة بمعناها الاصطلاحى، ولكنَّها ذات خصائص بيانية نظمِيَّة لا تكون فيما دون السورة بمعناها الاصطلاحى

لو أنَّنا استقصينا آيات موضوع ما فى القرآن الكريم وبلغت عشرات الآيات كآيات التوحيد مثلا، فإن هذا القدر من آيات التوحيد، وإن كان معجزا يقع به البرهان القاطع على صحة النبوة، فالإعجاز فى هذا القدر من آيات التوحيد لا يكون على قدر الإعجاز فى أقصر سورة من سور القرآن الكريم لِمَا اشتملت عليه السورة من خصائص بيانية ونظمية لن تحقق فى مجموع آيات التوحيد فى القرآن الكريم كلّه.

لهذا فإنى أزعم أن التَّدبّر البيانى والبحث عن المعنى القرآنى فى سياق السورة هو أكرم وأوفر أنماط البحث عنه عطاء.

وهذا لايعني أنَّ تدبر المعنى القرآني الواحد في مواقع عديدة في السياق القرآنيَّ ليس عليًّا بل لكل منهاجٍ عطاءه ومقْتَضِياته وزاده ووسائله. ولكنِّي هنا بصدد النظر في مراحل تدبر المعنى القرآنيِّ في سياق بناء السورة القرآنية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015