الجرس والإيقاع فيه عنصر رئيس من عناصر البيان المنتج المعنى القرآني فى قلب المتلقي لا يقل عن أىّ عنصرٍ آخر أثراً وقيمة، بل هو أظهر عناصر ذلك البيان وأقربها إلى الادراك إجمالا، وأن يكن إدراكه على التفصيل والتحليل والتفسير غير قريب، ولا يسيرٍ فى كثير من صوره ممَّا يجعل المرء يحتاج في إدراكِهِ إلى لقانية وحسٍّ مرهف وأذن واعية.

عناية القرآن في العهد المكيّ بالقيم الصوتيّة.

تنزّل القرآن الكريم في ثلاثٍ وعشرين سنة، منها ثلاث عشرة سنة في مكة يقرر أصول العقيدة بالقصد الأول، ويدعو إلى مكارم الأخلاق، ومنها عشر سنوات في المدينة النبوية يقيم فيها أصول التشريع وما يضبط حركة الحياة المسلمة، وما يحقق للأمة عزَّها وسلطانها.

اتسم البيان القرآنيّ النازل في العهد المكيّ بظهور القيم الصوتية من الجرس والإيقاع في تكوين وتشكيل صورة المعنى؛ لما يملكه الجرس والإيقاع من قدرة على النفوذ في حنايا القلوب، وذلك مرده إلى الميل الفطري للإنسان للإيقاع، فقد جبلت النفوس الناطقة على إدراكه،والارتياح والطرب بإدراكه (?) ، ففي ما تسمعه أذنه منغوما تجاوب مع حركته وحركة الحياة في داخله وخارجه، ذلك أنَّ هنالك تلازمًا بين الحياة والإيقاع، فليست هناك حياة لا إيقاع فيها.

وهذا أمر لايكادُ يغيمُ على كلِّ من ألقى السمع لما نزل من آيات الذكر الحكيم في العهد المكيّ.

وليس معنى ذلك افتقار ما نزل من الآيات في العهد المدني إلى الإيقاع بل هو قائم فيه، ولكن قد يكون لطيفًا , وأقلَّ ظهورًا ممَّا هو في نظيره من التنزّل في العهد المكيّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015