فهذه الثلاث مقررة أنَّ الكون يكون كلَّه لله - عز وجل - وحده، وأن ما فى الأنفس يحاسب عليه، فيغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، فكأنَّ فى هذه تعقيبا على القسمين معا العقدي والتشريعي وفى الوقت نفسه توطئة لذكر الذين قاموا بحق هذين القسمين، فكان هذا ردَّ عجز السورة على صدرها الذى يبين صفات المتقين، فتلاقى حديثه عن المؤمنين فى مقطعها مع حديثه عن المتقين فى مطلعها.

تبين لنا مما مضى بناء السورة من معاقد وفصول متلاحمة هيمن عليها جميعاً مقصد رئيس سَرَى فى جميع متعاقد السورة وآياتها.

إنَّ تقسيم السورة إلى حلقات تجمع فى محيطها مجموع المعانى الجزئية التي تشكِّل معنى كلياً هو أساسٌ لاستبصارالعلاقات بين معاني السورة على نحو محكم ذلك أنَّ استبصار علاقة المعنى الجزئي بغيره فى محيط حلقة من حلقات المعنى القرآنيّ للسورة أقرب إدراكاً وأيسر تحصيلاً من استبصار علاقته بمعنى جزئيّ فى محيط حلقة أخرى من حلقات السورة، لأن تلك العلاقة ذات خفاء،وهو خفاء لا علاقة له بوثاقه الاعتلاق أو وَهَنَِهِ، فقد يكون وجه الاعتلاق خفياً الا أنه جد وثيق. (?)

واستبصار السورة آية آية دون تقسيمها إلى فصول ومعاقد كلية يضعف قدرة المستبصرعلى إدراك معالم المقصود والغرض الأعظم المهيمن على السورة، فان إنشغاله بتلاحم الآية بالآية التى بعدها لا يعنيه على مد بصره إلى أفق أبعد، لكن استبصار التلاحم بين آيات المعقد الواحد أقرب وأمكن ثم من بعده استبصار علائق المعاقد بعضها ببعض وخضوعها لسلطان غرض رئيس ومقصود أعظم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015