الرد عليهم:
إن المتامل لكلام هؤلاء المتكلمين كابن سينا وأمثاله يرى مدى تأثرهم بالفلاسفة وكلامهم، حتى أنهم وصلوا إلى درجة اعتقادهم أنه لا موجود إلا ما علموه هم والفلاسفة.
ولهذا كان هؤلاء الذين عرفوا ما عرفته الفلاسفة إذا سمعوا أخبار الأنبياء بالملائكة، والعرش، والكرسي، والجنة، والنار، صاروا حائرين ومتأولين لكلام الأنبياء على ما عرفوه وعلى ما تعلموه، وإن كان هذا التأويل لا دليل لهم عليه سوى ظنهم الفاسد بأنه لا موجود إلا ما عرفوه هم والفلاسفة، فقالوا العرش: هو الفلك التاسع، والكرسي: هو الفلك الثامن، فنفوا ما ليس لهم به علم"1، فانطبق عليهم قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَما ياتِهِمْ تاوِيلُهُ} 2.
وقد ثبت أنه ليس لهؤلاء دليل يتمسكون به لا من الشرع ولا من العقل، وأن الذي دفعهم إلى هذا القول هو أنهم نظروا في عالم الهيئة وعلوم الفلسفة فرأوا أن الأفلاك تسعة، وأن التاسع وهو: الأطلس محيط بها، ومستدير كاستدارتها، وهو الذي يحركها الحركة الشوقية، وأن لكل فلك حركة تخصه غير هذه الحركة العامة، ثم سمعوا في أخبار الأنبياء- صلوات الله وسلام عليهم- ذكر عرش الله، وذكر كرسيه، وذكر السموات السبع، فقالوا- بطريق الظن-: إن العرش: هو الفلك التاسع لاعتقادهم