ولكن مع ذلك فعبادة القمر قد ظلت في مكان متفوق على عبادة الشمس كما شهدنا في هذا التكوين الكوكبي الثلاثي، وهذا في حد ذاته يمثل نوعًا من دأب العبادات القديمة في الاستمرار حتى بعد أن يكون المجتمع قد تطور إلى مرحلة جديدة، ومن ثم يمثل نوعًا من التداخل الذي يجمع بين عبادات تنتمي إلى مراحل مختلفة من تطور المجتمع. والظاهرة ليست في الواقع غريبة على العالم القديم أو حتى على المنطقة التي وجدت شبه الجزيرة العربية في وسطها, ففي إحدى أساطير وادي الرافدين نجد حوارًا يشير إلى هذا الدأب في الاستمرار بين دوموزي dumuzi "تمّوز" الذين كان إلهًا أو نصف إله للرعي وإنكمدو صلى الله عليه وسلمnkimdu الذي كان إلها أو نصف إله للزراعة. ورغم أن وادي الرافدين كان قد تحول في الفترة التي تنتمي إليها القصيدة التي تحتوي على هذه الأسطورة "وهي الفترة السومرية التي انتهت حوالي 2400 ق. م" إلى مجتمع زراعي أساسًا إلا أن الحوار الذي يوجد في القصيدة بين هذين الإلهين أو شبه الإلهين على خطب ود الآلهة إنانّا "عشتار" يشير إلى أن دوموزي الذي يمثل الرعي هو الذي كسب الموقف43.

والمرحلة الثالثة في هذا التطور الديني تمثلها عبادة الشمس "شمش" التي تشير إلى مجتمع مستقر يقوم أساسًا على الزراعة، وهذه نجدها في مملكة الأنباط وفي تدمر44. وحقيقة إن كلًّا من المنطقتين لم تكن تمثل مجتمعًا زراعيًّا صرفا، فتدمر كانت واحة غنية بنخيلها ولكن المناطق المحيطة بها والتي كانت تعتبر امتدادا لها كانت مناطق صحراوية بدوية، والشيء ذاته يقال عن مملكة الأنباط التي تعتبر شبه واحة توجد فيها الزراعة في وادي موسى حول مدينة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015