العربي مثل بعض الفترات التي سبقته47. ولكن في أحيان أخرى قد تتخذ هذه المبالغة شكلا آخر، فقد نجد شاعرا يسمعنا صوت العقل والتروي والحكمة التي قد تصور موقفه بعد الحدث، أو تصور ما كان يود أن يكون عليه موقفه، بينما ما حدث فعلا قد يكون أقل تعقلًا أو روية أو حكمة في بعض الأحيان أو حتى في أغلبها. كذلك يجدر بالباحث الذي يريد تصوير حياة المجتمع العربي الجاهلي من خلال الشعر الجاهلي أن يتوقف قليلًا قبل أن يعطي بعض الصفات التي تظهر في هذا الشعر أبعادها الحقيقية. فصفة الكرم التي تتردد كثيرا في الشعر الجاهلي هي صفة حقيقية, بل إنها صفة تدعو إليها طبيعة شبه الجزيرة فعلا، وهي طبيعة قد تقسو على المتنقل في الصحراء لسبب أو لآخر بحيث تنقطع عنه موارده أحيانا، ومن ثم يصبح اعتماده على كرم الآخرين في بعض الحالات أمرا حيويا، ومن ثم فإن احتمال ورود هذا الموقف يجعل هناك نوعا من التفاهم الجماعي، حتى ولو كان صامتًا، على أن الكرم أو قِرَى الضيف دعامة أساسية في هذا المجتمع الذي قد يكون فيه أي فرد مهما كان مركزه عرضة لهذا الموقف. ولكن مع ذلك ففي بعض الأحيان قد يكون الكرم أقرب إلى البذخ الطبقي منه إلى هذا النوع من الكرم الحقيقي، وهو تصور يستطيع الباحث أن يستنتجه إذا ما سمع من الطرف الآخر بعض ما تركه لنا صعاليك العرب من شعر يئنون فيه أنينا مسموعا من الضيق الذي يعيشون فيه ومن تقاعس الطبقة الثرية القادرة عن مد يد المعونة إليهم48.

أما المجالات التي يمكن أن نعتمد فيها على الشعر الجاهلي, في حدود هذه الملاحظات، فإنها تشمل كل جانب من جوانب الحياة في المجتمع العربي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015