المثال، في إشارة امرئ القيس إلى رحلته إلى بيزنطة45 التي يمكن أن نتعرف على تاريخها بصورة يمكن أن تكون محددة بقدر لا بأس به إذا تعرفنا على التيارات السياسية التي كانت تحيط بشبه الجزيرة في النصف الأول من القرن السادس الميلادي. والشيء ذاته ينطبق على الخلاف الذي نشب بين بكر وتغلب وتحاكمت فيه القبيلتان إلى عمرو بن هند أمير الحيرة، وهو الخلاف الذي كان فيه عمرو بن كلثوم متكلمًا باسم تغلب والحارث بن حلزة اليشكري متكلمًا باسم قبيلة بكر، والذي فتك فيه عمرو بن كلثوم بالأمير.

أما إذا كانت الإشارة الواردة في إحدى القصائد تتعلق بعادة أو تقليد أو عبادة أو نوع من الثياب أو الأدوات أو السلاح, فإن التقيد بحدود القرن السادس الميلادي يصبح أمرًا غير ضروري في هذا الصدد, فهذه المجالات وإن كانت تتغير من زمن إلى زمن, إلا أن تغيرها يكون أمرا يساعد الباحث في أن يتعرف على مدى التغيير أو التطور الذي حدث. وهنا نجد في المصادر الكلاسيكية شيئا كثيرا عن العادات والتقاليد والنظم السياسية أو الاجتماعية التي كانت سائدة في عدد كبير من أقسام شبه الجزيرة يمكن من خلاله أن نسبر غور أي تطور في مجال أو آخر من هذه المجالات، اعتمادا على معرفتنا بالوقت الذي كتبت فيه هذه المصادر الكلاسيكية. هذا علمًا بأن هذا التعرف يمكن أن يتم كذلك عن طريق ما يمكن أن نستنتجه من الآثار أو من بعض النقوش أو من المصادر الدينية. كما أشير في ختام هذه الملاحظة إلى أن التغير أو التطور لا يتم بالضرورة بنفس السرعة أو البطء في كل المجالات, فالعصبية القبلية، على سبيل المثال, أمر لا يكاد يتغير عبر العصور حيث إنها ركيزة حيوية من الشام أو من العراق46 في فترة من الفترات التي تكون فيها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015