وإذا كانت بعض هذه الأوصاف يمكن تسبيبها، مثل شن العرب للحرب فيما بينهم، بما شاهده المؤرخ من صراع بين الغساسنة والمناذرة. فإن الحديث لا يبدو مقنعًا في إنكار قدرة العرب على اقتحام المدن ووصف البرابرة الذي أطلقه على العرب وبخاصة إذا تذكرنا أن المؤرخ عاش في القرن السادس الميلادي وهو القرن الذي عرفت فيه إمارة الغساسنة وإمارة اللخميين في الحيرة قدرا ملموسا من التقدم في النواحي المعمارية والدينية والثقافية عموما من جهة، ومن جهة أخرى فهو القرن السابق مباشرة لظهور الدعوة الإسلامية التي كانت نقطة التفجير للتوحيد السياسي والديني لشبه الجزيرة العربية وللفتوحات العربية التي سقطت أمامها الإمبراطورية الفارسية وقسم كبير من الإمبراطورية البيزنطية. وفي هذا الصدد فإن حديث المؤرخ وملاحظاته عن العرب يبدو متناقضًا مع هذه الإنجازات التي أرى أن بوادرها لا بد أن تكون واردة في القرن السادس الذي عاش فيه وهو القرن السابق مباشرة لهذه الإنجازات, وهو تناقض إما أن نرده إلى تحامل أو تعالٍ من المؤرخ أو إلى تقصير في فهم أو تفسير ما كان يدور حوله من أحداث وتيارات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015