العارضة من المطر الغزير ثم ينحسر المطر فتجف الوديان وتشكل، بمرور الزمن، شبكة الطرق الطبيعية التي عرفها سكان شبه الجزيرة في تنقلهم وراء الكلأ أو في هجراتهم أو اتخذوا منها خطوطا لقوافلهم التجارية. وليس بغريب، نتيجة لهذا الجفاف العام في شبه جزيرة العرب، أن تكون إحدى تسميات المطر عند العرب هي "الغيث" التي توحي بمفهوم الإغاثة من الإقفار الناتج عن الجفاف، أو أن نسمع بين الممارسات الدينية للعرب عن صلوات "الاستسقاء" و"الاستمطار" حتى ينزل المطر ليسقي الأرض فيحيي النبت لصالح الإنسان والحيوان على السواء.

أما هذا المطر فإنه، إلى جانب قلته، لا يصيب المناطق التي ينزل فيها بمعدل واحد من الوفرة أو الانتظام ففي اليمن ومنطقة عسير ينزل منه قدر منتظم يسمح بالزراعة الدائمة في بعض الوديان التي تمتد إلى مسافة 200 ميل من الشاطئ إلى الداخل، وفي مساحات أخرى على الشاطئ ولكنها ليست بهذا الامتداد. بل إن المطر قد ينزل على بعض المناطق الجبلية فيحولها السكان إلى مناطق زراعية، كما يفعل سكان "الجبل الأخضر" في اليمن حيث تصطدم السحب المثقلة بالبخار بقمم هذا الجبل فتفرغ ما بها من أمطار على جوانبه ويعمد سكان المنطقة إلى تسوية جوانب الجبل على هيئة مدرجات تستقبل مسطحاتها مياه المطر وتحتفظ بها ومن ثم يمكن زراعتها، بدلا من أن تنزل الأمطار جميعها إلى أسفل الجبل. وقد أدى هذا الوضع في اليمن بالذات إلى تنوع النباتات التي تتناسب مع الأجواء المختلفة، بين الجو المعتدل في المرتفعات, والجو الدافئ في الأماكن الأقل ارتفاعا، والجو الحار الرطب في الوديان المنخفضة.

ولكن هذا النوع من الأمطار لم يكن من حظ مناطق أخرى، ففي القسم الشمالي من النفود، وفي القسم الشمالي الشرقي من الحجاز "بحدوده الحالية" تنزل كميات من المطر ولكنها لا تعادل أمطار اليمن وعسير سواء من حيث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015