ولكن الفترة التي تبدأ بأواسط القرن الخامس ق. م. تشهد تغيرا كبيرا في تصور بلاد العرب لدى الشعوب والدول التي اهتمت لسبب أو لآخر بالمنطقة. ويبدو هذا التغير واضحا فيما تركه لنا الكتاب الكلاسيكيون "اليونان والرومان" سواء من بينهم المؤرخون أو الرحالة أو الجغرافيون أو الكتاب الموسوعيون. وقد كان أول من ظهر في كتاباته هذا التغير الواضح في تصور حدود شبه الجزيرة هو هيرودوتس herodotos أول المؤرخين "أو أبو التاريخ حسبما لقبه شيشرون cicero الخطيب والسياسي الروماني الشهير الذي عاش في القرن الأول ق. م". فقد كان هذا المؤرخ هو أول من دفع بحدود بلاد العرب لكي تشمل كل شبه الجزيرة العربية وإن كان قد زاد على هذه الحدود بعض المناطق التي تقع إلى خارجها. وهو تصور يتأرجح بين شبه الجزيرة وهذه المناطق الواقعة إلى خارجها "مع اختلاف في امتداد هذه المناطق الخارجية" حتى استقر نهائيا على شبه الجزيرة بما في ذلك المنطقة الصحراوية الشمالية الواقعة على الحدود الجنوبية لمنطقة الهلال الخصيب "أي بما في ذلك بادية العراق وبادية الشام" في كتابات بطليموس كلاوديوس ptolemaios klaudios التي قام بها في خلال النصف الأول من القرن الثاني الميلادي، وهو الكاتب اليوناني المصري الذي عرفه العلماء العرب في العصر الإسلامي باسم بطليموس الجغرافي.

ولم يقتصر الكتاب الكلاسيكيون على تقديم التحديد العام لشبه جزيرة العرب، وإنما تعدوا ذلك إلى تقسيمها إلى مناطق طبيعية, قسموها بدورها إلى أقسام تضم الأماكن الزراعية أو الرعوية أو التي يعيش أهلها على التجارة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015