العراق إذاعة، بُحَّتْ أصواتُهم فيها للثورة، وبالنشيد لها، وكان لهم فيها معسكرات تدريب للجهاد -زعموا-، وأصبح لا يخلو واحد منها -فيما بعد- من سجن للعملاء المدسوسين فما بينهم على -زعم القائمين عليها- في فتنة عمياء، رسمت في ليلة ظلماء، وسفكت فيها الدماء، وتراشق الساعون والقائمون فيها بالويلات وعظائم الأمور، مما يعسر حصره، ولا يفيد في هذا المقام ضبطه وتعداده.
والذي أراه -والله أعلم- أنّ سبب هذه الفتن: العجلة، وعدم فقه واجب الوقت، وفقدان تربية العلماء على المنهج السلفي الرباني، وعدم التكييف الشرعي الصحيح لما يقومون به من مهالك ومصائب باسم الإسلام، وينطبق على هؤلاء نعت ابن خلدون، فها هو يقول عنهم، وكأنّه يريدهم بأسمائهم وشخوصهم:
«ممن أخذوا أنفسهم بإقامة الحق، ولا يعرفون ما يحتاجون إليه في إقامته» .
ويقول: «إنّ كثيراً من المنتحلين للعبادة وسلوك طرق الدين، يذهبون إلى القيام على أهل الجور من الأمراء، داعين إلى تغيير المنكر، والأمر بالمعروف، ورجاء الثواب عليه من الله، فيكثر أتباعهم من الغوغاء والدهماء، يعرضون أنفسهم في ذلك إلى المهالك، وأكثرهم يهلكون في هذا السبيل، مأزورين غير مأجورين؛ لأنّ الله لم يكتب ذلك عليهم» .
وقال عنهم -وأصاب كبد الحقيقة-: «لا يشعرون بمغبة أمرهم، ومآل أحوالهم، فهم موسوسون، يحتاج في أمرهم إلى المداواة إن كانوا من أهل الجنون، وإما التنكيل بالقتل (?) (!!) أو الضرب إن أحدثوا هرجاً، وإما إذاعة السخرية منهم» (?) .
وكان شيخنا الألباني -رحمه الله تعالى- آنذاك ينهى هؤلاء عما يقومون