والمراد من الحديث: استحكام ذلك حتى لا يبقى مما يقابله إلاّ النادر، وإليه الإشارة بالتعبير بقبض العلم فلا يبقى إلا الجهل الصرف، ولا يمنع من ذلك وجود طائفة من أهل العلم؛ لأنهم يكونون حينئذ مغمورين في أولئك ... ، وكذا القول في باقي الصفات، والواقع أنّ الصفات المذكورة وُجدت مباديها من عهد الصحابة، ثم صارت تكثر في بعض الأماكن دون بعض، وقد مضى من الوقت الذي قال فيه ابن بطال ما قال نحو ثلاث مئة وخمسين سنة، والصفات المذكورة في ازدياد في جميع البلاد، لكن يقل بعضها في بعض، ويكثر بعضها في بعض، وكلما مضت طبقة ظهر النقص الكثير في التي تليها، وإلى ذلك الإشارة بقوله في حديث الباب الذي بعده: «لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه» (?) » (?) .
وإذا كان الحافظ -رحمه الله- قد ذكر أنّ كلام ابن بطال -والمتضمن أنّ جميع الصفات المذكورة في هذا الحديث قد وقعت ورؤيت عياناً- قد مضى عليه نحواً من ثلاث مئة وخمسين سنة، ثم ذكر أنّ هذه الصفات في ازدياد، وذلك حسبما ظهر في عصره وازداد، فما بالك في عصرنا هذا المُحْزِن الذي تدمع له الأعين وتدمى له القلوب، وبينه وبين عصر ابن حجر مدة مديدة، وأزمنة بعيدة؛ فإنّ الحافظ -رحمه الله- قد توفي في منتصف القرن التاسع؛ وبالتحديد في سنة 852هـ، ونحن الآن في أواخر سنة 1424هـ، فتبين أنّ بين عصره -رحمه الله- وعصرنا بون شاسع، وفرق واسع، يقرب من نحو خمسة قرون ونصف القرن؛ وبالتحديد اثنتان وسبعون وخمس مئة سنة (572) ، والله المستعان، وعليه التكلان.
والشاهد من هذا: أنّ (الهرج) -على اختلاف الأمصار والأعصار-