المنشود، فلا أقل من أنْ يلتزم هو في خاصة نفسه بسنن ذلك التغيير، ويسعى جاهداً للحفاظ على أقرب الأقربين منه، ويحميهم من غوائل الفتنة.
أما السلبية والقعود والاستسلام للمخالفات الشرعية وضغط الواقع ثم الانصياع لمطالبها والغرق في أحوالها؛ فهذا ليس من هذا الدين في قريب أو بعيد.
وبَعْدُ؛ لعل في هذا كله ما يقنع أولئك المسوغين المتقاعسين أنْ يعودوا لممارسة دورهم الخطير في حياة الناس والبشرية قاطبة وينتشلوهم من هذه الهوّة السحيقة التي ينحدرون إليها، ولعلنا في ضوء ذلك نفهم معنى الفتنة، وكيف تحيق بالناس، وأنها إنّما تحيق بهم وِفْقَ سنن وقوانين، وأنها إنما تحيق بهم لنسيانهم حقائق كثيرة، أو لتجاهلهم إياها، ولغفلتهم عنها أنها تعمل بقوة في واقع حياتهم؛ فالفتنة والفتن كما أنها من قدر الله كأي حدث على ظهر هذه الأرض؛ إلاّ أنّ لها ارتباطاً على قاعدة العلة والمعلول بمقدمات أدّت إلى تلك النتائج {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} .
بهذا الفهم لهذا الدين ولمعنى الفتنة؛ نعصم أنفسنا من أنْ نكون ككثيرٍ من العوام الذين لا يحركون ساكناً، زاعمين أنهم في مواجهة فتنة عمياء، ولا (أبو بكر) لها، وليس للمسلم أمامها إلاّ العزلة والتقوقع والاستسلام.
وهذا الفهم لمعنى الإيمان، وطريق عمل هذا الدين في حياة البشر يطالبنا بالصمود أمام الفتن، وليس هذا فحسب، بل تغيير الواقع الاجتماعي، وقبله النفسي؛ لتغيير اتجاه هذه الحال، ورد الواقع البشري إلى ما يرضي الله -سبحانه-.
وسواءٌ فشلنا أم نجحنا؛ فالمهم أننا نؤدي مهمتنا التي خُلِقْنا من أجلها؛ أي: أنْ لا نكون سلبيين في مواجهة الواقع، أنْ نعمل ونعمل، وإنْ لم نقطف ثمار عملنا هنا؛ فثمار عملنا نقطفها في الجنة.
{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105] .