وقال: «سألتُ ربّي أنْ لا يُسلِّطَ على أمتي عدوّاً من غيرهم فيجتاحُهم، فأعطانيها، وسألتُه أنْ لا يُهلِكهم بسَنةٍ عامَّةٍ، فأعطانيها» (?) .
وما زالت دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم تَظهر شيئاً بعد شيءٍ، وقد أظهر الله في هذه الفتنة (?) من رحمته بهذه الأمة وجُنْدِها ما فيه عبرةٌ، حيث ابتلاهم بما يُكفِّر به من خطاياهم، ويُقبِل بقلوبهم على ربهم، ويجمع كلمتهم على وليّ أمرِهم، ويَنزِعُ الفُرقةَ والاختلافَ من بينهم، ويُحرِّكُ عَزَماتِهم للجهاد في سبيل الله وقتال الخارجين عن شريعة الله.
فإنّ هذه الفتنة التي جَرتْ -وإن كانت مُؤلمةً للقلوب- فما هي -إن شاء اللَّه- إلاّ كالدواء الذي يُسقَاه المريضُ ليحصل له الشِّفاءُ والقوة، وقد كان في النفوس من الكِبْر والجهل والظلم ما لو حَصَل معه ما تشتهيه من العِزّ لأعقَبها ذلك بلاءً عظيماً.
فرحم الله عبادَه برحمتِه التي هو أرحم بها من الوالدة بولدها، وانكشف لعامة المسلمين شَرْقاً وغَرْباً حقيقةُ حال هؤلاء المفسدين الخارجين عن شريعة الإسلام، وإن تكلَّموا بالشهادتين، وعَلِمَ مَن لم يكن يعلم ما هم عليه من الجهل والظلم والنفاق والتلبيس والبُعد عن شرائع الإسلام ومناهجه، وحَنَّتْ إلى العساكر الإسلامية نفوسٌ كانت مُعرِضةً عنهم، ولاَنَتْ لهم قلوبٌ كانت قاسيةً عليهم، وأنزل الله عليهم من ملائكته وسكينته ما لم يكن في تلك الفتنة معهم، وطابت نفوسُ أهل الإيمان ببَذْلِ النفوس والأموال للجهاد في سبيل اللَّه، وأعدُّوا العدَّة لجهاد عدوِّ الله وعدوِّهم، وانتبهوا من سِنَتِهم،