السلام-على كثرتها وتواترها- لما رأوا أنها عند المتوهمين مدعاة للتواكل عليها وترك العمل لعز الإسلام من أجلها! فأخطؤوا في ذلك أشد الخطأ من وجهين:
الأول: أنهم أقرّوهم على هذا التوهم؛ على اعتبار أنّ مصدره تلك الأحاديث المشار إليها؛ وإلا لم يبادروا إلى إنكارها!
والآخر: أنهم لم يعرفوا كيف ينبغي عليهم أن يعالجوا التوهم المذكور؟
وذلك بإثبات الأحاديث، وإبطال المفاهيم الخاطئة من حولها، وما مثلهم في ذلك إلا كمثل من أنكر عقيدة الإيمان بالقدر خيره وشره؛ لأنّ بعض المؤمنين به فهموا منه أن لازمه الجبر، وأن المكلف لا كسب له ولا اختيار، ولما كان هذا الفهم باطلاً بداهة سارعوا إلى إنكاره، ولكنهم أنكروا معه القدر -أيضاً-؛ لتوهمهم -أيضاً مع المتوهمين- أنه يعني الجبر، فوافقوهم في خطئهم في التوهم المذكور، ثم زادوا عليهم خطأً آخر -فراراً من الأول- وهو إنكارهم القدر نفسه! فلولا أنهم شاركوهم في فهمهم منه الجبر لما أنكروه!
وهذا هو عين ما صنعه البعض المشار إليه من الأساتذة والكُتّاب، فإنهم لما رأوا تواكل المسلمين -إلا قليلاً منهم- على أحاديث المهدي وعيسى؛ بادروا إلى إنكارها لتخليصهم بزعمهم من التواكل المذكور! فلم يصنعوا شيئاً؛ لأنهم لم يستطيعوا تخليصهم بذلك من جهة؛ ولا هم كانوا على هدىً في إنكارهم للأحاديث الصحيحة من جهة أخرى.
والحقيقة أنّ هؤلاء المنكرين -الذين يفهمون من هذه الأحاديث ما لا تدل عليه من التواكل المزعوم، ولذلك يبادرون إلى إنكارها تخلّصاً منه- قد جمعوا بين المصيبتين: الضلال في الفهم، والكفر بالنص! ولكنهم عرفوا أن الفهم المذكور ضلال في نفسه؛ فأنكروه بإنكار النص الذي فهموا ذلك منه! وعكس ذلك العامة؛ فآمنوا بالنص مع الفهم المذكور، فمع كل من الفريقين