تابع السلف الصالحين في العلم والتصور والعمل، ومن حقَّق فهمهم، وأشغل قلبه، ووحَّد همَّه على نهجهم.
وكان هذان النوعان قائميْن في فهم الصحابة، فهم -رضوان الله عليهم- يفرّقون بينهما، ولذا لما ذكر حذيفة النوع الأول، بيّن عمر أنه لا يسأل عن هذا النوع، وإنما يريد النوع الثاني، والله الهادي.
ثانياً: إنَّ للفتنة (?) زماناً ومكاناً ومحلاًّ (?) ، وجمع هذا الحديث الأمور الثلاثة:
فصل
زمن الفتنة (نشأتها، اشتدادها، آخرها)
فزمانها؛ يشتدُّ بمقتل عمر -رضي الله عنه-، فشبهت الفتن -في المحاورة السابقة- ببيتٍ له باب، والفتن محصورة فيه، فإذا قتل عمر فالباب يبقى مفتوحاً، ولا ينغلق أبداً، والفتن تعصف منه على هيئة أمواج عاتية تموج موج البحر، بينما لو مات دون قتل، فلعل باب الفتن ينغلق، والموج يزول، والعواصف تهدأ، والفتن تتلاشى أو تضعف.
وهذا الأمر كان معروفاً -أيضاً- عند الصحابة، فهذا خالد بن الوليد يسمع رجلاً يقول له في خلافة عمر: «يا أبا سليمان! اتّق الله، فإنّ الفتن قد ظهرت» . فرد عليه مستنكراً بقوله: «وابن الخطاب حي؟! إنما تكون بعده، ... » (?) .
وها هو حذيفة -رضي الله عنه- يقول: «ما بينكم وبين أن يرسل عليكم الشر فراسخ إلا موتة في عنق رجل يموتها، وهو عمر» .
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (8/620 - ط. دار الفكر) : حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عنه به. وإسناده صحيح.
ولم يعزه في «كنز العمال» (11/228 رقم 31327) إلا له، وظفرتُ به عند ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ص 286 - ترجمة عمر (?) من طريق أبي عوانة عن عاصم، عن أبي وائل -وهو شقيق بن سلمة- به. ولفظه:
«ما بينكم وبين أن يرسل عليكم