إلى جسر الحديد، ومن جسر الحديد إلى جسر الشريعة الزهراء، إلى أن خرجوا في أوائل شعبان، بعد أن أخربوا العمران، وهدُّوا البنيان، فصارت أسوارُها كيماناً سوداً، ينعِق عليها غربانها جُرْداً.
ولما رحلوا أخذوا معهم غالب النساء الجميلة والجواري والعبيد والطواشية والصناع الحذاق من كل طائفة، وذهب معهم قاضي القضاة محيي الدين محمود ابن القاضي نجم الدين الحنفي وأخوه بهاء الدين محمد الشهيران بابني الكشك.
فلما قربوا من حلب جاء إليهم من كان تمرلنك خَلفَهُم فيها لحماية الأموال التي أخذوها، وهم ثلاثة آلاف نفس أو يزيدون، وذلك بعد أن أخربوا قلعة حلب، فأَرَمُوا أبراجها وأسوارها في الخندق.
ثم اجتمعوا وعدَّوْا من جسر البيرة، ولم يتعرضوا لنائبها وهو الأمير ناصر الدين محمد بن شهرى يُعرَفُ بصرق سيدي، وذلك لإظهار الطاعة إليهم، فقرره على أنه نائب غزة.
ثم ذهبوا وأخذوا طريق ماردين، فلما وصلوا إليها نازلوها واستنزلوا صاحبها وهو الملك الظاهر مجد الدين عيسى، وكان قد تحصن بقلعتها، فلم يسمع منهم ولا أصغى إليهم، فأقاموا مدة عشرين يوماً.
ثم لما رحلوا، أمرهم تمرلنك بتخريب المدينة فأخربوها كلها وطمّوا آبارها، وقلعوا أشجارها، وجعلوا أعاليها أسافِلَها، ولقد أخبر من الثقات جماعةٌ أنّ تمرلنك لما وصل إلى حلب وقرر رجوعه، أرسل شرذمة وراء طائفة من التركمان يقال لهم ابن كُبْك -بكافين أولاهما مضمومة، بينهما باء موحدة ساكنة-، وكانوا نازلين عند عينتاب من ناحية الشمال فناجزوهم بالكبس، وأخذوا أموالَهم وحريمَهم وأغنامَهم وجِمالَهم، وخلّوهم على الأرض السوداء.