«واليوم -والتاريخ يعيد نفسه كما يقولون-؛ فقد نبتت نابته من الشباب المسلم، لم يتفقهوا في الدين إلا قليلاً، ورأوا أن الحكام لا يحكمون بما أنزل الله إلا قليلاً، فرأوا الخروج عليهم دون أن يستشيروا أهل العلم والفقه والحكمة منهم، بل ركبوا رؤوسهم، وأثاروا فتناً عمياء، وسفكوا الدماء، في مصر، وسوريا، والجزائر، وقبل ذلك فتنة الحرم المكي، فخالفوا بذلك هذا الحديث الصحيح الذي جرى عليه عمل المسلمين سلفاً وخلفاً إلا الخوارج.
ولما كان يغلب على الظن أن في أولئك الشباب من هو مخلص يبتغي وجه الله، ولكنه شُبِّه له الأمر أو غرر به؛ فأنا أريد أن أوجه إليهم نصيحة وتذكرة، يتعرفون بها على خطأهم، ولعلهم يهتدون.
فأقول: من المعلوم أن ما أمر به المسلم من الأحكام منوط بالاستطاعة؛ حتى ما كان من أركان الإسلام، قال -تعالى-: {وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ البَيتِ مَن اسْتَطاعَ إليه سَبِيلاً} [آل عمران: 97] ، وهذا من الوضوح بمكان فلا يحتاج إلى تفصيل.
والذي يحتاج إلى التفصيل؛ إنما هو التذكير بحقيقتين اثنتين:
الأولى: أن قتال أعداء الله -من أي نوع كان- يتطلب تربية النفس على الخضوع لأحكام الله واتباعها؛ كما قال صلى الله عليه وسلم:
«المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله» (?) .
والأخرى: أن ذلك يتطلب الإعداد المادي والسلاح الحربي؛ الذي ينكأُ أعداء الله؛ فإن الله أمر به أمير المؤمنين، فقال: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} [الأنفال: 60] ، والإخلال بذلك مع الاستطاعة؛ إنما هو من صفات المنافقين، وكذلك قال