يظلم باستئثار، فلا تصبر النفوس على ظلمه، ولا يمكنها دفع ظلمه إلا بما هو أعظم فساداً منه، ولكن لأجل محبة الإنسان لأخذ حقه ودفع الظلم عنه، لا ينظر في الفساد العام الذي يتولد عن فعله» (?) .
قال أبو عبيدة: ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية تأصيل منهجيّ من خلال نصوص الأحاديث النبوية -وقد ساق بعضاً منها-، وبالنظر إلى استقراء الحوادث التي تمّ فيها (الخروج) ، وله كلام يشعر بذلك، وفيه -أيضاً- تفسير لهذه الظاهرة، ومعيار لتقويم الأشخاص الذين شاركوا فيها، وقبل أن أسوق كلامه الذي فيه هذا الأمر الخطير، لا بد من التأكيد على ما سبق بإيرادي لكلام لشيخنا الألباني -رحمه الله- في تعليقه على حديث عبادة بن الصامت، الذي أخرجه البخاري (7199، 7200) ، ومسلم (1709) -والسياق له-، قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً، عندكم من الله فيه برهان، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم» .
قال -رحمه الله- في «السلسلة الصحيحة» (7/1240-1243) تحت حديث رقم (3418) : «ثم إن في هذا الحديث فوائد ومسائل فقهية كثيرة، تكلم عليها العلماء في شروحهم ... » ، قال: «والذي يهمني منها هنا: أن فيه ردّاً صريحاً على الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ... -رضي الله عنه-، فإنهم يعلمون دون أي شك أو ريب أنهم لم يروا منه (كفراً بواحاً) ، ومع ذلك استحلوا قتاله، وسفك دمه، هو ومن معه من الصحابة والتابعين، فاضطر -رضي الله عنه- لقتالهم واستئصال شأفتهم، فلم ينْجُ منهم إلا القليل، ثم غدروا به -رضي الله عنه-، كما هو معروف في التاريخ.