بها عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان القتال واجباً أو مستحبّاً لم يُثنِ النبي صلى الله عليه وسلم على أحد بترك واجب أو مستحب، ولهذا لم يثن النبي صلى الله عليه وسلم على أحد بما جرى من القتال يوم الجمل وصفين فضلاً عما جرى في المدينة يوم الحرّة، وما جرى بمكة في حصار ابن الزبير، وما جرى في فتنة ابن الأشعث وابن المهلب وفي ذلك من الفتن، ولكن تواتر عنه أنه أمر بقتال الخوارج المارقين الذين قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بالنهروان بعد خروجهم عليه بحروراء؛ فهؤلاء استفاضت السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر بقتالهم، ولما قاتلهم علي -رضي الله عنه- فرح بقتالهم، وروى الحديث فيهم، واتفق الصحابة على قتال هؤلاء، وكذلك أئمة أهل العلم بعدهم لم يكن هذا القتال عندهم كقتال أهل الجمل وصفين وغيرهما مما لم يأت فيه نص ولا إجماع، ولا حمده أفاضل الداخلين فيه، بل ندموا عليه ورجعوا عنه.
وهذا الحديث من أعلام نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث ذكر في الحسن ما ذكره، وحمد منه ما حمده، فكان ما ذكره وما حمده مطابقاً للحق الواقع بعد أكثر من ثلاثين سنة؛ فإن إصلاح الله بالحسن بين الفئتين كان سنة إحدى وأربعين من الهجرة، وكان علي -رضي الله عنه- استشهد في رمضان سنة أربعين، والحسن حين مات النبي صلى الله عليه وسلم كان عمره نحو سبع سنين، فإنه ولد عام ثلاث من الهجرة، وأبو بكرة أسلم عام الطائف، تدلى ببكرة؛ فقيل له أبو بكرة، والطائف كانت بعد فتح مكة، فهذا الحديث الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الحسن كان بعد ما مضى ثمانٍ من الهجرة، وكان بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثين سنة التي هي خلافة النبوة، فلا بد أن يكون قد مضى له أكثر من ثلاثين سنة، فإنه قاله قبل موته صلى الله عليه وسلم» .
رابعاً: قد يقول قائل: نسلِّم لك ما تقول، نظراً لخَوَرِنا وضعْفِنا، وطمع العدو بنا، ولغربة الدين بين ظهرانينا، ولما يترتب الآن على الخروج من قتل النفوس بلا فائدة، وإلا؛ فالخروج -قديماً- قد حصل مرات! وعلى هيئة