قلت: فهذا المعنى -بفضل الله- مستفيض ذكره في القرآن والسنة وكلام السلف الصالح، أن الانخلاع من الشرك والكفر بما يُعبد من دون الله شرط في تخلية السبيل، وعصمة الدم والمال، وإجراء أحكام الإسلام وأن هذا هو غاية القتال يرتفع بوجوده ويرجع بنقضه. قال الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم الحنبلي النجدي: "ولهما عن ابن عمر" -رضي الله عنهما- مرفوعاً أي: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "أمرت أن أقاتل الناس". أي: المشركين منهم "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله". والمراد: العلم بمعناها والعمل بمقتضاها .. "ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة". فهما ركنان لا يستقيم إسلام العبد إلا بهما. "فإذا فعلوا ذلك". أي: لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، "عصموا مني دماءهم وأموالهم". فلا يحل قتالهم حتى يأتوا بمناف للشهادتين، "إلا بحق الإسلام". وهو التزام شرائعه. قال أبو بكر لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على ذلك (?) اهـ.
الآية الثانية: قال -تعالى-: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه). في سورتي [البقرة: 193]، و [الأنفال: 39].
قال ابن كثير في آية الأنفال: .... وقال: الضحاك عن ابن عباس: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ). يعني: لا يكون شرك. وكذا قال: أبو العالية، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي، ومقاتل بن حيان، وزيد بن أسلم، وقال محمد بن إسحاق بلغني عن الزهري عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا: حتى لا تكون فتنة حتى لا يفتتن مسلم عن دينه. وقوله: (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه). قال: الضحاك عن ابن عباس في هذه الآية، قال: يخلص التوحيد لله، وقال: الحسن وقتادة وابن جريج: (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه). أن يقال: لا إله إلا الله، وقال محمد بن إسحاق: ويكون التوحيد خالصاً لله ليس فيه شرك، ويُخلع ما دون من الأنداد. وقال: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه). لا يكون مع دينكم كفر: ويشهد لهذا ما ثبت في الصحيحين عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ... ". اهـ.
وقال البغوي في آية البقرة: (وَقَاتِلُوهُمْ). يعني: المشركين (حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ). أي: شرك. يعني: قاتلوهم حتى يسلموا فلا يقبل من الوثني إلا الإسلام، فإن أبى قتل