النبوة عنهم كما قال مالك بن أنس: "إذا قلّ العلم ظهر الجفاء وإذا قلت الآثار ظهرت الأهواء" ولهذا شبهت الفتن بقطع الليل المظلم، ولهذا قال أحمد في خطبته: الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة بقايا من أهل العلم.
فالهدى الحاصل لأهل الأرض إنما هو من نور النبوة كما قال -تعالى-: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) [طه: 123].
فأهل الهدي والفلاح: هم المتبعون للأنبياء وهم المسلمون المؤمنون في كل زمان ومكان.
وأهل العذاب والضلال: هم المكذبون للأنبياء.
يبقى أهل الجاهلية الذين لم يصل إليهم ما جاءت به الأنبياء. فهؤلاء في ضلال وجهل وشر وشرك لكن الله يقول: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً). وقال: (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ). وقال: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ...). فهؤلاء لا يهلكهم الله ويعذبهم حتى يرسل إليهم رسولاً وقد رويت آثار متعددة في أن من لم تبلغه الرسالة في الدنيا فإنه يبعث إليه رسول يوم القيامة في عرصات القيامة (?) اهـ.
قلت: وهذا نص منه -رحمه الله- في الأمة المحمدية.
وقال في أهل الكتاب والنصارى فذمهم على الغلو والشرك الذي ابتدعوه، وعلى تكذيب الرسول، والرهبانية التي ابتدعوها ولا نحمدهم عليها، إذ كانوا قد ابتدعوها، وكل بدعة ضلالة، لكن إذا كان صاحبها قاصداً للحق فقد يعفى عنه فيبقى عمله ضائعاً لا فائدة فيه، وهذا هو الضلال الذي يعذر صاحبه فلا يعاقب ولا يثاب ... فاليهود أقوى كفراً من النصارى وإن كان النصارى أجهل وأضل، لكن أولئك: يعاقبون على عملهم إذ كانوا عرفوا الحق وتركوه عناداً، فكانوا مغضوباً عليهم، وهؤلاء: بالضلال حرموا أجر المجتهدين ولعنوا، وطردوا عما يستحقه المهتدون، ثم إذا قامت عليهم الحجة فلم يؤمنوا استحقوا العقاب إذ كان اسم الضلال عاماً (?) اهـ.
فهذا النص في أهل الكتاب فالنصارى مشركون، وهذا مما لا ريب فيه، بل هو من