جوابه من وجوه: أحدها أن يقال: هؤلاء لا يحكم لهم بكفر ولا إيمان فإن الكفر هو: جحود ما جاء به الرسول فشرط تحققه بلوغ الرسالة، والإيمان هو: تصديق الرسول فيما أخبر، وطاعته فيما أمر وهذا أيضاً مشروط ببلوغ الرسالة، ولا يلزم من انتفاء أحدهما وجود الآخر إلا بعد قيام سببه. فلما لم يكن هؤلاء في الدنيا كفاراً ولا مؤمنين كان لهم في الآخرة حكم آخر غير حكم الفريقين.
فإن قيل: فأنتم تحكمون لهم بأحكام الكفار في الدنيا من: التوارث والولاية والمناكحة.
قيل: إنما نحكم لهم بذلك في أحكام الدنيا لا في الثواب والعقاب كما تقدم بيانه.
الوجه الثاني: سلمنا أنهم كفار لكن انتفاء العذاب عنهم لانتفاء شرطه، وهو قيام الحجة عليهم، فإن الله لا يعذب إلا من قامت عليه حجته (?). ا. هـ.
فهذا النص من الإمام ينص على انتفاء الكفر المعذب عليه إلا بعد الحجة وأصحابه كفار في أحكام الدنيا لا في أحكام الثواب والعقاب هذا مع قوله قبل ذلك أن الشرك ثابت لأصحابه لا يحتاج إلى رسول فالحجة عليه العقل والفطرة.
وقال -رحمه الله- في كتاب طريق الهجرتين الطبقة (الرابعة عشر) قوم: لا طاعة لهم ولا معصية ولا كفر ولا إيمان، وهؤلاء أصناف: منهم من لم تبلغه الدعوة بحال ولا سمع لها بخير، ومنهم المجنون الذي لا يعقل شيئاً ولا يميز، ومنهم الأصم الذي لا يسمع شيئاً أبداً، ومنهم أطفال المشركين الذين ماتوا قبل أن يميزوا شيئاً-.
ثم قال في الطبقة (السابعة عشر) ص: 411 فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم (?). ا. هـ.
قلت: فعندما نفي ابن القيم الكفر عن أطفال المشركين نفاه باعتبار ما يترتب عليه من العقوبة في الدارين وعندما أثبته لنفس الطائفة أثبته باعتبار ما يجري عليهم من أحكام الكفر في الدنيا.