ومن هذا يعلم: أن اسم المشرك ثابت قبل بلوغ الرسالة، والعذاب في الدارين لا يكون إلا بعدها.
قال ابن تيمية نقلاً عن محمد بن نصر المروزي: قالوا: ولما كان العلم بالله إيماناً والجهل به كفراً، وكان العمل بالفرائض إيماناً والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر، لأن أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد أقروا بالله أول ما بعث الله رسوله، صلى الله عليه وسلم، إليهم ولم يعلموا الفرائض التي افترضت عليهم بعد ذلك، فلم يكن جهلهم بذلك كفراً. ثم أنزل الله عليهم الفرائض فكان إقرارهم والقيام بها إيماناً وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله. ولو لم يأت خبر من الله ما كان بجهلها كافراً وبعد مجيء الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافراً والجهل بالله في كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر (?) اهـ.
وقال صاحب بدائع الصنائع فإن أبا يوسف روى عن أبي حنيفة -رحمه الله- هذه العبارة فقال: كان أبو حنيفة رضي الله عنه يقول: لا عذر لأحد من الخلق في جهله معرفة خالقه لأن الواجب على جميع الخلق معرفة الرب -سبحانه وتعالى- وتوحيده لما يرى من خلق السموات والأرض وخلق نفسه وسائر ما خلق الله -سبحانه وتعالى- فأما الفرائض فمن لم يعلمها ولم تبلغه فإن هذا لم تقم عليه حجة حكمية بلفظه (?) اهـ.
وقال ابن تيمية في وكذاك أخبر عن هود أنه قال لقومه: (... إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ). فجعلهم مفترين قبل أن يحكم بحكم يخالفونه لكونهم جعلوا مع الله إلهاً آخر. فاسم المشرك ثبت قبل الرسالة فإنه يشرك بربه ويعدل به ويجعل معه آلهة أخرى ويجعل له أندادا قبل الرسالة، ويثبت أن هذه الأسماء مقدم عليها، وكذلك اسم الجهل والجاهلية يقال جاهلية وجاهلاً قبل مجيء الرسول وأما التعذيب فلا، والتولي عن الطاعة كقوله: (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى، وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى). فهذا لا يكون إلا بعد الرسول (?) اهـ.
الدليل الرابع: قوله -تعالى-: (ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) [الأنعام: 131].