يقول الله (جل وعلا): {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة: آية 50] أي: وَاذْكُرُوا إِذْ فَرَقْنَا بكم البحرَ. {فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} أي: فَلَقْنَاهُ، بدليلِ قولِه: {فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: آية 63] وَأَصْلُ الفِرْقِ: الفصلُ بينَ أجزاءِ الشيءِ (?). فمعنى {فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} أي: فَصَلْنَا بينَ بعضِه وبعضٍ حتى كانت بينَه مسالكُ تَسْلُكُونَ فيها. ومن هذا المعنى قولُه: {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: آية 25] أي: افْصِلْ بَيْنَنَا وبينَهم، {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا} [المرسلات: آية 4] أي: على القولِ بأنها الملائكةُ تنزلُ بالوحيِ الذي يَفْصِلُ بين الحقِّ والباطلِ. وهذا معنى قولِه: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} أي: فَصَلْنَا بعضَ أجزائِه عن بعضٍ حتى كانت بينَه مسالكُ تسلكون فيها من طرقٍ يابسةٍ كما قال جل وعلا: {طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} [طه: آية 77].
و (الباءُ) في قوله: {بِكُمُ} فيها لعلماءِ التفسيرِ أَوْجُهٌ (?)، أَظْهَرُهَا أنها سَبَبِيَّةٌ. والمعنى: فَصَلْنَا بعضَ أجزاءِ البحرِ عن بعضٍ، بسببِ دُخُولِكُمْ فيه؛ لِيُمْكِنَكُمُ المرورُ سالكين بين أجزائِه، كما قال تعالى: {فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: آية 63]. وقال بعضُ العلماءِ: (الباء) بمعنى اللامِ، فمعنى {فَرَقْنَا بِكُمُ} أي: فَرَقْنَا لكم. وهو عائدٌ إلى معنى الأولِ؛ لأن اللامَ للتعليلِ، والباءُ للسببِ، فالمعنى مُتَقَارِبٌ. وقال بعضُ العلماءِ: الجارُّ والمجرورُ في مَحَلِّ حَالٍ، أي: فَرَقْنَا البحرَ في حالِ كونِه مُتَلَبِّسًا بكم. وقال بعضُ العلماءِ: {فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} أي: جَعَلْنَاكُمْ كأنكم حاجزٌ بين بعضِه