يعنِي الأرض {تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)} بِمَا فُعِلَ عليها {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)} [الزلزلة: الآيات 1 - 5] أَمَرَهَا بذلك أن تَشْهَدَ، ومن ذلك وهو الشيءُ العظيمُ: أن كُلَّ إنسانٍ يجدُ جميعَ ما قَدَّمَ من خيرٍ وشرٍّ مكتوبًا في كتابٍ: {لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: آية 49] ويُقال لِكُلِّ إنسانٍ في ذلك الوقتِ: {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)} [الإسراء: آية 14] وتلك الكتبُ تُعْطَى للناسِ، آخِذٌ كتابَه بِيَمِينِهِ، أو آخذٌ بشمالِه، أو من وراءِ ظهرِه، والعياذُ بالله.
وهذه الآياتُ معناها: اعْلَمْ أيها الإنسانُ أن كُلَّ ما عَمِلْتَ من خيرٍ وَشَرٍّ هو محفوظٌ لكَ مدَّخرٌ عليكَ، إن كان خيرًا فإنما تَنْفَعُ به نفسَك، وإن كان شَرًّا فإنما تَضُرُّ به نَفْسَكَ، فعليكَ أن تجتهدَ في دارِ الدنيا وقتَ إمكانِ الفرصةِ، ولا تضيعَ الوقتَ؛ لأنه إذا ضاعَ الوقتُ نَدِمَ الإنسانُ حيث لاَ ينفعُ الندمُ، فعلينا معاشرَ المسلمين أن نعلمَ أن رَبَّنَا يُخْبِرُنَا أن جميعَ ما عَمِلْنَا سنجدُه مَحْفُوظًا لنا أمامَنا على رؤوسِ الأشهادِ، ونُخبر به، وَنُجَازَى به، إِنْ خَيْرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فَشَرٌّ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذلك فلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ. فيجبُ على العبدِ المسلمِ في دارِ الدنيا أن يلاحظَ هذا، وأن يخافَ اللَّهَ، ويخشى من أن يَجْعَلَ في صحيفتِه الفضائحَ التي يفتضحُ بها على رؤوسِ الأشهادِ؛ لأن فضيحةَ يومِ القيامةِ ليست كفضيحةِ الدنيا؛ لأَنَّ مَنِ افْتُضِحَ في الدنيا ضَاعَ عِرْضُهُ أمامَ المجتمعِ، وهو صحيحٌ يأكلُ ويشربُ وينامُ وينكحُ ويركبُ!! ولكن مَنْ افْتُضِحَ في الآخرةِ سيُجَرُّ إلى دركاتِ النارِ - والعياذُ بالله (جل وعلا) - ففضيحةُ الآخرةِ على رؤوسِ الأشهادِ أعظمُ.
وعلى المسلمِ أن يُحاسِبَ في دارِ