كُتُبِهِ في الأصولِ قال: «طالعتُ كتابَ اللَّهِ (جل وعلا) من أولِه إلى آخرِه هَلْ نجدُ فيه آيةً يُفْهَمُ منها أن التركَ فِعْلٌ؟ وقال: مَا وجدتُ آيةً يُفهم منها ذلك إلا آيةً من سورةِ الفرقانِ، وهي قولُه تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)} [الفرقان: آية 30] لأَنَّ الاتخاذَ معناه: التناولُ. أي: أَخَذُوهُ في حالِ كونِه مَهْجُورًا. قال: يُؤْخَذُ من هذا: أن التركَ فِعْلٌ»، ونحن نقولُ: إنَّا طَالَعْنَا في كتابِ اللَّهِ فَوَجَدْنَا في كتابِ اللَّهِ آياتٍ صريحةً - وإن لم يَطَّلِعْ عليها ابنُ السبكي، هي صريحةٌ - في أن التركَ فِعْلٌ، وقد نَصَّ اللَّهُ على ذلك مَرَّتَيْنِ في سورةِ المائدةِ وحدَها، كما بَيَّنَّاهُ في هذه الدروسِ، أحدُ الموضعين من سورةِ المائدةِ الذي دَلَّ القرآنُ الصريحُ فيه على أن التركَ فعلٌ من الأفعالِ، وَعَمَلٌ من الأعمالِ، وَصُنْعٌ من الصنائعِ: هو قولُه تعالى: {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} ثم قال: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)} [المائدة: آية 63] فَسَمَّى عدمَ أمرِهم بالمعروفِ ونهيِهم عن المنكرِ سَمَّاهُ (صُنْعًا). والصُّنْعُ أَخَصُّ من مطلقِ الفعلِ؛ لأنه لا يُطْلَقُ الصُّنعُ إلا على الفعلِ الذي يَتَكَرَّرُ من صانعِه مِرَارًا.

الموضعُ الثاني من الْمَوْضِعَيْنِ اللَّذَيْنِ بَيَّنَ اللَّهُ فيهما أن التركَ فعلٌ: هو قولُه في المائدةِ أيضًا: {كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} [المائدة: آية 79] فهذا الذي كانوا يفعلونَه، الذي قال اللَّهُ فيه: «بِئْسَ» هو عدمُ تَنَاهِيهِمْ فيما بينَهم عن المنكرِ، فهو صريحٌ في أن عدمَ النهيِ عن المنكرِ فعلٌ مذمومٌ، فهاتانِ الآيتانِ صريحتانِ في أن التركَ فِعْلٌ، وهو كذلك في لغةِ العربِ، ومنه قولُ الراجزِ لَمَّا كانَ الصحابةُ يَبْنُونَ هذا المسجدَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015