الأساليبِ العظيمةِ لحكمةٍ مفترقةٍ إلى شيئين: أي: لِيُؤْمِنَ بِهِ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ، وليُكذب به مَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ فيقول: دَرَسْتَ هذا القرآنَ على غَيْرِكَ، وأخذتَه من غيرك (?)،
كما قالوا: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (5)} [الفرقان: آية 5] {إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} [الفرقان: آية 4] والمعنَى: نُصرِّفُ آياتِ القرآنِ على أنحاءَ مختلفةٍ، في أكملِ بيانٍ وأوضحِه؛ لنخذلَ قومًا، ونوفقَ آخرين؛ لأن اللَّهَ أنزلَ هذا القرآنَ، وَصَدَقَ في عِلْمِهِ أنه يؤمنُ به قومٌ فيُدخلهم الجنةَ، ويكفرُ به آخرونَ فيدخلُهم النارَ؛ لأن هذا القرآنَ مُنْذُ أَنْزَلَهُ اللَّهُ لا يدخلُ أحدٌ الجنةَ إلا عن طريقِ العملِ به، ولا النارَ إلا عن طريقِ الإعراضِ عنه، فالعملُ به مفتاحُ الجنةِ، والإعراضُ عنه مفتاحُ النارِ: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ} [هود: آية 17] وَاللَّهُ (جل وعلا) يَبْتَلِي بابتلاءاتِه فَيُضِل قومًا ويهدي آخَرِينَ، وله في ذلك الحكمةُ البالغةُ؟ ولأَجْلِ هذا جَعَلَ القرآنَ هدًى لقومٍ وَفَّقَهُمْ للعملِ به، وجعلَه هلاكًا على آخَرِينَ، وحجةً عليهم، خَذَلَهُمْ فأعرضوا عنه، كما قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا (82)} [الإسراء: آية 82] {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت: آية 44] والعياذُ بالله {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)} [التوبة: الآيتان 124، 125] هذا معنَى قولِه: