بطنِها في القبورِ وأنتم أمواتٌ، كما قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26)} [المرسلات: الآيتان 25، 26]، الكِفَاتُ هنا: مَحَلُّ الكَفْتِ. والكَفْتُ في اللغةِ: معناه الضَّمُّ (?). أي: محلاًّ يضمُهم أحياء على ظَهْرِهَا، ويضمُهم أمواتًا في بطنِها. وهذا معنَى قولِه: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26)} وَلِذَا قال: {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} ثُمَّ قَالَ: {قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ} التفصيلُ: البيانُ والإيضاحُ وإزالةُ الإجمالِ. والمرادُ بالآياتِ: آياتُ هذا القرآنِ العظيمِ مع ما تَضَمَّنَتْهُ من آياتِه الكونيةِ (جل وعلا)، الدالةِ على كمالِ قُدْرَتِهِ.

وفي هذه الآيةِ سؤالٌ معروفٌ، وهو أن يقولَ طالبُ العلمِ: قال في الآيةِ الأُولَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} ثم قال: {قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)} [الأنعام: آية 97]، وهنا قال: {قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)} [الأنعام: آية 98]، فما الحكمةُ في تلوينِ الكلامِ، والتعبيرِ في الأولِ بـ (قوم يعلمون) وفي الثاني بـ (قوم يفقهون) (?)؟

قال بعضُ العلماءِ: إنما قال بعدَ ذِكْرِهِ الاهتداءَ بالنجومِ: {قَوْمٍ يَعْلَمُونَ} لأَنَّ ذلك أمرٌ يَعْلَمُهُ جُلُّ الناسِ. وقال هنا: {لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} لأَنَّ أسرارَ نقلِ الإنسانِ من هذه الأطوارِ وإيجادِه الأولِ لاَ يُدْرِكُ حقائقَها وما انْطَوَتْ عليها من الغرائبِ والعجائبِ إلا الذين يفقهونَ. أي: لهم فِقْهٌ وَفَهْمٌ دقيقٌ في الأمورِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015