اللسانَ لِيَرُدَّ به شاردَ الطعامِ على أضراسِه عند المضغِ، وَيُبِينُ به الكلامَ، حتى يقضيَ حاجتَه من بَنِي الإِنْسَانِ، ثم إنه (جل وعلا) يضعُ الكبدَ في مَحَلِّهِ، وَالْكُلْيَتَيْنِ في محلهما، وكلُّ موضعٍ في محله، وَيُوَكِّلُهُ بوظيفتِه في تدبيرِ الجسمِ، ويفتحُ الشرايينَ ليدورَ الدمُ، ويفتحُ مجاريَ البولِ والغائطِ.
ولو شُرِّحَ عضوٌ واحدٌ من أعضاءِ الإنسانِ تَشْرِيحًا حَقِيقيًّا لَبَهَرَ العقولَ ما أَوْدَعَ اللَّهُ (جل وعلا) فيه من غرائبِ صنعِه وعجائبِه، فليس في الواحدِ مِنَّا مَوْضِعُ رأسِ إبرةٍ إِلاَّ وفيه من غرائبِ صنعِ خالقِه وعجائبِه ما يُبْهِرُ العقولَ لو فَكَّرَ (?).
وأنا أُؤَكِّدُ لكم أن هذه العملياتِ الهائلةَ التي تُفْعَلُ في الواحدِ منا، العليمُ القديرُ الذي فَعَلَهَا لم يَحْتَجْ إلى أن يَشُقَّ بطنَ أُمِّ الواحدِ مِنَّا، وَلَمْ يُبَنِّجْهَا، ولم يُنَوِّمْهَا في صحية، بل فعل فيها هذه الأعمالَ الهائلةَ العجيبةَ الغريبةَ من حيثُ لاَ تشعرُ، وهي لاهيةٌ تَفْرَحُ وتمرحُ، لا تَدْرِي عَمَّا يُفْعَلُ في بطنِها من غرائبِ الصُّنعِ وعجائبِه، مع أن الجنينَ الذي يُفْعَلُ فيه هذا من الغرائبِ والعجائبِ هو مندرجٌ في ثلاثِ ظلماتٍ: ظلمةِ بطنِ أُمِّهِ، وظلمةِ رَحِمِهَا داخلَ البطنِ، وظلمةِ المشيمةِ التي على الولدِ؛ لأنه في داخلِ الرحمِ يكونُ عليه المشيمةُ، والسَّلاَ يُغَطِّيهِ، فالله (جل وعلا) عِلْمُهُ نَافِذٌ، وبصرُه نافذٌ، لا يحتاجُ إلى كهرباء، ولا إلى نورٍ يكشفُ به تلك الظلماتِ، بل علمُه وقدرتُه نافذةٌ، فيفعل في الإِنْسَانِ هذه الأفعالَ الغريبةَ العجيبةَ، ويرتبُ بعضَه مع بعضٍ، ويخلقُه هذا الخلقَ العجيبَ.