لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة: آية 46] وَخُرُوجُهُمْ هذا الذي كَرِهَهُ وثبطهم عنه هو عَالِمٌ بأنه لا يكونُ، ومع ذلك صَرَّحَ بأنه عَالِمٌ أَنْ لو كان كيفَ يكونُ، حيثُ قال: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} [التوبة: آية 47] إلى آخِرِ الآيَاتِ.
والآياتُ القرآنيةُ كثيرةٌ دَالَّةٌ على هذا. فَاللَّهُ يعلمُ الجائزاتِ والواجباتِ والمستحيلاتِ المعدوماتِ والموجوداتِ ويعلمُ المعدومَ الذي سَبَقَ في علمِه أنه لاَ يكونُ، يعلمُ أن لو كان كيف يكونُ، يعلمُ ما تُخْفِي الضمائرُ، ويعلمُ خطراتِ القلوبِ، وكيفَ يجهلُ خطراتِ القلوبِ خالقُ خطراتِ القلوبِ؟ {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: آية 14] وقال جل وعلا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: آية 16].
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأنعام: آية 97] {وَهُوَ} أي: اللَّهُ جل وعلا.
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ} أي: خَلَقَ لكم النجومَ.
{لِتَهْتَدُوا بِهَا} كُلُّ هذا من غرائبِ صُنْعِهِ وعجائبِه؛ لأَنَّ النجومَ يَهْتَدِي بها الناسُ في ظلماتِ الليلِ، سواءً كانوا في بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ، وقد يكونُ الناسُ مُلَجَّجِينَ في البحرِ لا يعرفونَ جهةَ قصدِهم إلا بالنجومِ، وكذلك تَأْتِيهُمُ الظلماتُ في فَيَافِي الأرضِ الواسعةِ فيستدلونَ بالنجومِ، وربما كانوا في مسافةٍ بعيدةٍ إذا جَاءَهُمْ غَيْمٌ هَلَكُوا، فإذا رَأَوُا النجومَ فَرِحُوا كُلَّ الفرحِ؛ لأنهم يَعْرِفُونَ بها الجهاتِ، وَيَسْتَدِلُّونَ