أَطَاعُوهُمْ في التحليلِ من قتلِ الأولادِ، وقال جل وعلا: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا} [النساء: آية 117] يعني: مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَرِيدًا. وعبادتُهم له هي: اتباعُ تشريعِه، وقد بَيَّنَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - هذا البيانَ لَمَّا سَأَلَهُ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ (رضي الله عنه) عن قولِه تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا} [التوبة: آية 31] قَالَ عَدِيُّ للنَّبِيِّ: كيفَ اتَّخَذُوهُمْ أَرْبَابًا؟ قال: «أَلَمْ يُحِلُّوا لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَيُحَرِّمُوا عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَاتَّبَعُوهُمْ؟» قال: بَلَى، قال: «بِذَلِكَ اتَّخَذُوهُمْ أَرْبَابًا» (?).
وَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ (جل وعلا) في سورةِ النساءِ أن مَنْ يَدَّعِي الإسلامَ ويزعمُ أنه مؤمنٌ، ثم يريدُ التحاكمَ إلى الطاغوتِ مِنْ تشاريعِ الشيطانِ، أن دَعْوَاهُ للإيمانِ مع ذلك بالغةٌ مِنَ الكذبِ والبطلانِ ما يَسْتَوْجِبُ التعجبَ منها، وذلك في قولِه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء: آية 60].
والآياتُ بمثلِ هذا كثيرةٌ، وعلى كُلِّ حالٍ فَعَلَيْنَا جميعًا نحنُ المسلمينَ أن نعرفَ ونعتقدَ أنه لا تشريعَ إلا لخالقِ السماءِ والأرضِ، فالحلالُ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ، والحرامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ، وَالدِّينُ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ، والأمرُ أَمْرُ اللَّهِ، والنهيُ نَهْيُ اللَّهِ، وِالْحَسَنُ مَا حَسَّنَهُ اللَّهُ، والقبيحُ مَا قَبَّحَهُ اللَّهُ، وَكُلُّ نِظَامٍ وَتَشْرِيعٍ غَيْرِ تَشْرِيعِ السماءِ وبالٌ وويلٌ على صاحبِه - والعياذُ بِاللَّهِ جل وعلا - وَلِذَا أولئك يدخلونَ في قولِه هنا: {وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الأنعام: آية 93].