وقولُه: {نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ} قولُه: {نُورًا وَهُدًى} كِلاَهُمَا حَالٌ. أي: جَاءَ به مُوسَى في حالِ كونِه نُورًا يكشفُ ظلامَ الجهلِ وَالشَّكِّ والشركِ {وَهُدًى} يُهْتَدَى بِهِ مِنَ الضَّلاَلِ. الجوابُ: أَنْزَلَهُ اللَّهُ (جل وعلا)، وَاللَّهُ (جل وعلا) لم يَكِلْ هذا إليهم؛ لأنه قَالَ لِنَبِيِّهِ: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام: آية 91] قُلْ لَهُمْ يا نَبِيَّ اللَّهِ: أَنْزَلَهُ اللَّهُ. وهو محلُّ الشَّاهِدِ. وإذا كان الجوابُ: أَنْزَلَهُ اللَّهُ على مُوسَى. أَيْ: هذا الكتابُ أَنْزَلَهُ اللَّهُ على مُوسَى، وهو بَشَرٌ، تَبَيَّنَ كَذِبُ مَقَالَتِهِمْ: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّنْ شَيْءٍ} وهذا معنَى قولِه: قُلْ لَهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ: {مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ} مَنْ هُوَ الذي أَنْزَلَ الكتابَ {الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى} في حالِ كونِه {نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ} هذا السؤالُ في قولِه: {مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ}. أمر الله نبيه أن يجيب بقوله: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} {قُلِ اللَّهُ} معناه: قُلْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ جل وعلا {ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}.
وقولُه جل وعلا: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} فيه قراءتانِ سبعيتانِ (?)، قَرَأَهُ أكثرُ السبعةِ: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا}. وَقَرَأَهُ بعضُ السبعةِ: {يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ كَثِيرًا} أَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ: {تَجْعَلُونَهُ} فهو خطابٌ لليهودِ (?). وسياقُ الكلامِ يُعَيِّنُ أن الآيةَ نَازِلَةٌ في
اليهودِ لاَ في مُشْرِكِي مكةَ، كما قَالَهُ بعضُ العلماءِ. ومعنَى: {يَجْعَلُونَهُ} أي: اليهودُ. أو {تَجْعَلُونَهُ} أَنْتُمْ أَيُّهَا اليهودُ.